تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

*وحتى شيخ الإسلام، وإمام السلفية ابن تيمية [661 ـ 728 هـ / 1263 – 1328م] الذي جعل عنوان كتابه "درء تعارض صريح المعقول مع صحيح المنقول" .. رأيناه يعلن: أن "الحنفية وكثير من المالكية والشافعية والحنبلية يقولون بتحسين العقل وتقبيحه، وهو قول الكرامية والمعتزلة، وهو قول أكثر الطوائف من المسلمين"، أي أن أغلب تيارات الفكر الإسلامي ـ الفلسفية والفقهية ـ تجعل العقل مرجعية للتحسين والتقبيح.

* وإذا كان عظيم الفاتيكان ـ وأستاذ الفلسفة ـ قد جهل هذا التراث الفلسفي الإسلامي القديم .. فكيف جهل تراث الإسلام الفلسفي الحديث ـ فى العقلانية الإسلامية ـ والذي قال فيه جمال الدين الأفغاني [1254 – 1314 هـ / 1838 – 1897 م]: "إن الدين الإسلامي يكاد يكون متفردا بين الأديان بتقريع المعتقدين بلا دليل، وتوبيخ المتبعين للظنون، وتبكيت الخابطين في عشواء العماية، والقدح في سيرتهم.

هذا الدين يطالب المتدينين أن يأخذوا بالبرهان فى أصول دينهم، وكلما خاطب خاطب العقل، وكلما حاكم حاكم إلى العقل، تنطق نصوصه بأن السعادة من نتائج العقل والبصيرة، وأن الشقاء والضلالة من لواحق الغفلة وإهمال العقل وانطفاء نور البصيرة .. وقلما يوجد من الأديان ما يساويه أو يقاربه فى هذه المزية .. وأظن غير المسلمين يعترفون لهذا الدين بهذه الخاصة الجليلة.

إن العقل مشرق الإيمان، فمن تحوّل عنه فقد دابر الإيمان، وإن فرقا بين ما لا يصل العقل إلى كنهه، فيعرفه بأثره، وبين ما يحكم العقل باستحالته، فالأول معروف عند العقل، يقر بوجوده، ويقف دون سرادقات عَزّتْهٌ، أما الثاني فمطروح من نظره، ساقط من اعتباره، لا يتعلق به عقد من عقوده، فكيف يصدق به وهو قاطع بعدمه؟!.

لقد بدأ الإنسان بداية لا تميزه عن غيره من الحيوانات! .. لكن نقطة الافتراق كانت قوته العاقلة .. والله قد جعل قوة العقل للإنسان محور صلاحه وفلاحه .. والحكمة ـ وآلتها العقل ـ هي مقننة القوانين، وموضحة السبل، وواضعة جميع النظامات، ومعينة جميع الحدود، وشارحة حدود الفضائل والرذائل، وبالجملة، فهي قوام الكمالات العقلية والخلقية .. فهي أشرف الصناعات.

إن الإنسان من أكبر أسرار هذا الكون، ولسوف يستجلى بعقله ما غمض وخفي من أسرار الطبيعة، وسوف يصل بالعلم وإطلاق سراح العقل إلى تصديق تصوراته، فيرى ما كان من التصورات مستحيلاً قد صار ممكنا، وما صوره جموده بأنه خيال قد أصبح حقيقة.

إن أول ركن بني عليه الدين الإسلامي: صقل العقول بصقال التوحيد، وتطهيرها من لوث الأوهام، وسعادة الأمم لا تتم إلا بصفاء العقول من كدرات الخرافات وصدأ الأوهام، فإن عقيدة وهمية لو تدنس بها العقل لقامت حجابًا كثيفًا يحول بينه وبين حقيقة الواقع ويمنعه من كشف نفس الأمر، بل إن خرافة قد تقف بالعقل عن الحركة الفكرية وتدعوه بعد ذلك أن يحمل المثل على مثله، فيسهل عليه قبول كل وهم، وتصديق كل ظن، وهذا مما يوجب بعده عن الكمال، ويضرب له دون الحقائق ستاراً لا يخرق، وفوق ذلك ما تجلبه الأوهام على النفوس من الوحشة وقرب الدهشة، والخوف مما لا يخيف، والفزع مما لا يفزع.

إن دين الإسلام قد فتح أبواب الشرف فى وجوه الأنفس .. وقرر المزايا على قاعدة الكمال العقلي والنفسي لا غير، فالناس إنما يتفاضلون بالعقل والفضيلة .. وعقائد الأمة ـ وهي أول رقم ينقش فى ألواح نفوسهاـ يجب أن تكون مبنية على البراهين القويمة والأدلة الصحيحة، وأن تتحامي مطالعة الظنون فى عقائدها، وتترفع عن الاكتفاء بتقليد الآباء فيها، فإن معتقدا لاحت العقيدة في مخيلته بلا دليل ولا حجة لا يكون موقنّا، فلا يكون مؤمنا .. وأولئك المتبعون للظن، القانعون بالتقليد تقف بهم عقولهم عند ما تعودت إدراكه، فلا يذهبون مذاهب الفكر، ولا يسلكون طرائق النظر، وإذا استمر بهم ذلك تغشّتهم الغباوة بالتدريج، ثم تكاتفت عليهم البلادة حتى تعطل عقولهم عن أداء وظائفها العقلية بالمرة، فيدركها العجز عن تمييز الخير من الشر، فيحيط بهم الشقاء، ويتعثر بهم البخت، وبئس المآل مآلهم.

هذا هو الإسلام ".

نقلا عن

http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=39524&Page=1&Part=10

ـ[أبو أحمد عبدالمقصود]ــــــــ[11 Oct 2007, 01:16 ص]ـ

د. محمد عمارة: بتاريخ 10 - 10 - 2007

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير