ألم يقرأ مقارنة الإمام محمد عبده بين الدينين فى هذا المقام؟ .. وكيف أن (أحد أصول النصرانية ـ الذي لا يختلف فيه كاثوليك ولا أرثوذكس ولا بروتستانت ـ هو أن الإيمان منحة لا دخل للعقل فيها، وأن من الدين ما لا يقبله العقل، بمعنى ما يناقض أحكام العقل ومنطقه، وهو مع ذلك مما يجب الإيمان به .. ولقد قال القديس "أنسيلم" [1033ـ 1109م]: "يجب أن تعتقد أولا بما يعرض على قلبك بدون نظر .. فليس الإيمان في حاجة إلى نظر العقل، والكون وما فيه لا يهم المؤمن أن يجيل فيه نظره"!! .. بينما أول أماس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي، والنظر العقلي هو أساس الإيمان الصحيح .. ).
فأين هي العقلانية المسيحية ـ وهذا كلام القديس "أنسيلم"؟! .. فضلاً عن أن تكون عقلانيتها متفوقة على العقلانية الإسلامية ـ التي قدمنا الشواهد من مقالاتها؟!.
لقد قرر الإسلام ـ وقرر فلاسفته ومفكروه ـ أن العقل هو الطريق إلى معرفة الله ـ سبحانه وتعالى ـ لأن العقل يتفكر ويتدبر ويتعقل في الخلق، فيدرك أنه لا بد من خالق متصف بكل صفات الجلال والكمال .. ولذلك كانت أول فريضة على الإنسان ـ إسلاميا ـ هي فريضة النظر! حتى قبل الإيمان بالكتب والنبوات والرسالات!! (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ) [يونس: 101]ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ) [العنكبوت: 20]
وإذا جاز لبابا الفاتيكان أن يجهل هذا التراث الإسلامي القديم والحديث في العقلية الإسلامية ـ المتميزة .. والمتفوقة .. والمتفردة ـ .. وهذا غير جائزـ فكيف له أن يجهل ـ وهو أستاذ للفلسفة ـ ما كتبه المستشرق الإنجليزي "ألفريد جيوم " عن تفرد الفلسفة الإسلامية بتأسيسها على الدين الإسلامي .. وذلك عندما قال: "إن قوة الحركة الاعتزالية ـ التي أسست علم الكلام الإسلامي .. والفلسفة الإسلامية قبل عصر الترجمة عن الإغريق ـ مردها جهود أولئك الذين حاولوا أقصى ما في طوقهم إقامة علم الكلام الإسلامي على أسس ثابتة من الفلسفة، مصرين في الوقت نفسه على أن تكون تلك الأسس منطقية، ثم الانسجام بينها وبين الفلسفة التي يجب أن تدرس بوصفها من صميم العقيدة الدينية .. ".
* ثم .. أين هي العقلانية ـ يا عظيم الفاتيكان ـ في الدين الذي ينتهك قوانين السببية، ويقررـ فى كتابه ـ أن الإيمان وحده كاف في أن يكون للمؤمن أن يقول للجبل تحول عن مكانك فيتحول الجبل! وأن الصلاة وحدها كافية فى إقدار المصلى على تغيير سير الكواكب، وقلب نظام العالم وتركيبه العنصري؟!.
* بل أين هي حتى ظلال العقلانية فى الدين الذي لا يزال أهله ـ حتى القرن الحادي والعشرين ـ يعتقدون أن " تمتمات" ببعض الكلمات اللاتينية، تحول الخبز والخمر إلى لحم معبودهم ودمه! .. ثم "يتناولونه" ـ يتناولون معبودهم ويأكلونه ـ ليذهبوا بعد ذلك بفضلات هذا المعبود إلى حيث يعرف الجميع!!.
* أين هي العقلانية التي تتحدث عنها وتباهى بها يا عظيم الفاتيكان، وها هو القديس "أوغسطين " [354ـ 430م] يقول: "أؤمن بهذا لأنه محال أو غير معقول!! .. كما يقول القس وهيب الله عطا: " إن التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية، ولكننا نصدق ونؤمن أن هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولاً"!!.
* أين هي العقلانية عند الذين يقول كتابهم: "اعتقد وأنت أعمي"!! .. "أغمض عينيك ثم اتبعني"!!.
* وإذا كنت ـ يا عظيم الفاتيكان ـ لم تقرأ ما جاء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي عن مقام العقل في الإسلام .. فهل يليق بمثلك أن تجهل ما كتبه علماء الغرب عن هذه العقلانية الإسلامية، ودورها في انتشار الإسلام؟! .. وما كتبوه عن لا عقلانية مسيحيتك الرومانية، التي غبشتها وأفسدتها الثقافة الهلينية، وملأتها بالأسرار والألغاز .. ودور هذه اللاعقلانية في
هزيمة مسيحيتك أمام عقلانية الإسلام؟!.
¥