لو رجع إلى المصحف لعلم أن التخفيف المذكور هو في الأحكام ذاتها لا في تلخيصها كما زعم، ثم لعلم أن التخفيف المذكور هو بالنسبة إلى حكم قرآني سابق لا بالنسبة إلى أحكام التوراة والإنجيل. وكأن القس لم يسمع عن شيء اسمه النسخ! .. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)} [الأنفال/65 - 67].
الحق الحق أقول لكم: قد قال (إسكندر شديد): «أبونا قزي مصنع للفرح المتواصل»!
><
6 - الملأ الأعلى هم مترفو مكة طبعًا!
هذه من أطرف طرائف القس في كسله!
والقصة أن القرآن أطلق على معارضي دعوات الرسل اسم «الملأ»، وهم السادات والكبراء، وهم مترفون بلا شك. والقس - لشدة جهله بالقرآن - لا يعلم أن به قصص الأولين والآخرين، فحسب ألا «ملأ» إلا ملأ قريش المعارضين لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم وجد القس في (المعجم المفهرس) مصطلح «الملأ الأعلى»، فلم يحاول الرجوع للمصحف لفهم معناه، وظن بجهله أنه مصطلح لملأ قريش، ذلك الملأ الذي لا يعلم القس ملأً غيره.
فصار القس بوهميه السابقين يسقط كل آية بها «ملأ» أو «ملأ أعلى» على مترفي مكة لا غير.
فتأمل كيف قاده كسله إلى الجهل، وقاده جهله إلى الخزي. والله لا يصلح عمل المفسدين.
ولو رجع القس إلى المصحف لعلم أن «الملأ الأعلى» في القرآن - ولم ترد إلا مرتين - لا يراد بها إلا ملائكة السماء، قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) [الصافات/6 - 8]، وقل عز شأنه: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)} [ص/67 - 71].
قال القس عن نبينا عليه الصلاة والسلام: كما لا يخفى هجومه العنيف على مترفى مكة وأثريائها و «الملأ الأعلى» من قبيلة قريش، ومنهم بعض أعمامه كأبى لهب «وامرأته حمالة الحطب».
وقال في موضع آخر: واستضافه النجاشى ملك الحبشة بعدما قاومه "الملأ الأعلى".
فتأمل كيف يضع القس مصطلح (الملأ الأعلى) بين قوسين لتمييزه، ليوهم قارئه السطحي المقلد أنه قد خبر القرآن وقنص مصطلحاته عارفًا بمعانيها، وجهله في ذلك كما علمت.
وقال القس في موضع آخر: جميع الذين اتبعوه واستجابوا لرسالته هم من فقراء مكة ومن طبقة «الأرذلين» «المستضعفين» (الشعراء/111)، ومن «الأذلة» ( ... المائدة/54، النمل/34) والصعاليك، فى حين أن طبقة الأثرياء «المترفين» (سبأ/34)، المسمين بـ «الملأ» (البقرة/246، الأعراف/90، هود/27) الأعلى وبـ «الأعزة» (المائدة/54، النمل/34، المنافقون/8) اضطهدوه وشنوا عليه حربًا بل اتهموه وسخروا منه واحتقروا كلامه وأعرضوا عن تعاليمه بحجة أن الذين دخلوا فى دعوته هم «أذلة» معدومون وفقراء ضعفاء. قالوا له: «أنؤمن بك واتبعك الأرذلون؟» (الشعراء/111)، أو «وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا» (هود/27). اهـ.
أ - قال القس: جميع الذين اتبعوه واستجابوا لرسالته هم من فقراء مكة ومن طبقة «الأرذلين» «المستضعفين» (الشعراء/111). اهـ.
لو رجع إلى المصحف لعلم أن الآية الكريمة لا تتحدث عن مكة ولا فقرائها: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) ... قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} [الشعراء/105 - 111].
¥