ب - قال القس: جميع الذين اتبعوه واستجابوا لرسالته هم من فقراء مكة ... ومن «الأذلة» ( ... المائدة/54، النمل/34). اهـ.
لو رجع إلى آية المائدة في المصحف الشريف لعلم أن «أذلة» الواردة فيها لا تعني (الفقراء) كما وهم بجهله، ولكنها تعني (الرحماء). ثم لعلم أنها لا تتحدث عن الذين اتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام، بل هي تخاطب المسلمين جميعًا وتصف الذين يحبهم الله ويحبونه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة/54]. وفي (التفسير الميسر): «رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين».
ولو رجع إلى آية النمل لعلم أنها لا تصف الذين اتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام، بل لا تتحدث عن فقراء مكة أصلاً، وإنما عن قصة ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام التي جرت قبل أن يولد فقراء مكة بقرون عديدة: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) ... قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) [النمل/29 - 34].
جـ - قال القس: جميع الذين اتبعوه واستجابوا لرسالته هم من فقراء مكة ... فى حين أن طبقة الأثرياء «المترفين» (سبأ/34)، المسمين بـ «الملأ» (البقرة/246، الأعراف/90، هود/27) الأعلى وبـ «الأعزة» (المائدة/54، النمل/34، المنافقون/8) اضطهدوه. اهـ.
أما «المترفون» فآية سبأ فلا تتحدث عن مترفي مكة خاصة، بل عن معارضي الرسل عامة: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ/34].
وأما «الملأ» الأعلى الذي عزاه إلى (البقرة/246، الأعراف/90، هود/27) ..
فآية البقرة لا تسمي معارضي النبي عليه الصلاة والسلام بالملأ، ولا تتحدث عن عصره أصلاً: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة/246].
وكذلك آية الأعراف: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [الأعراف/90].
وكذلك آية هود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) ... فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود/25 - 27].
وواضح أن الآيات الثلاث لا تذكر (الأعلى) كوصف للملأ أبدًا، وإلحاق القس للوصف من هوساته لا أكثر.
وأما «الأعزة» الذي عزاه إلى (المائدة/54، النمل/34، المنافقون/8) ..
فآية المائدة - ومرت بك - لا تصف مضطهدي دعوة النبي عليه الصلاة والسلام بالأعزة على سبيل الذم، بل تصف بذلك قوم يحبهم الله ويحبونه على سبيل المدح،
والأعزة هنا لا تعني المترفين كما وهم القس بجهله، ولكنها تعني الأشداء المعتزين بإيمانهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة/54].
¥