لو رجع إلى المصحف لعلم من باقي السياق أن الكتاب المقصود ليس كتابًا مسطورًا في الأوراق كما توهم، وإنما هو الأجل المعلوم المقدر سلفًا، قال تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)} [الحجر/4، 5]. وفي (التفسير الميسر): «لا نُهْلك قرية إلا ولإهلاكها أجل مقدَّر».
على أن العبارة التي استشهد بها كافية في نقض ما توهمه، فالعبارة تتحدث عن إهلاك قرى في الماضي، فكيف يسبق إلى وهم عاقل أنها تتحدث عن شيع بني إسرائيل المعاصرين للنبي عليه الصلاة والسلام؟! .. وهذا النوع من الجهل أو الاستعباط عادة ملازمة للقس لا ينفك عنها.
ب - قال القس: كان فى زمن القس والنبى كتب عديدة، وكان لكل شيعة من شيع بنى إسرائيل كتاب، ... وكل يدعو إلى كتابه. ويشهد القرآن العربى على تعدد الكتب وتوزعها بين أيدى أصحابها بقوله: ... و"كل أمة تدعى إلى كتابها" (الجاثية 28). اهـ.
لو رجع إلى المصحف لعلم أن الآية الكريمة لا تخبر عن حال شيع بني إسرائيل المعاصرين للنبي عليه الصلاة والسلام، بل عن يوم القيامة، وأنها لا تخبر عن نسخ مختلفة من البايبل بأيدي هذه الشيع، بل عن صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة من الملائكة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} [الجاثية/27، 28]. وفي (التفسير الميسر): «كل أمة تُدْعى إلى كتاب أعمالها».
على أن القس لما قرأ قوله تعالى {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} فهم الآتي: «وكل يدعو إلى كتابه»، فإن (كل أمة) في الآية مفعولة، لكن القس جعلها هي الفاعلة الداعية، فهذا النوع المتردد بين الجهل والاستعباط عادة ملازمة للقس كما أسلفنا.
جـ - قال القس: وشهد كل من القس والنبى على كتابهما بأنه يجمع ما فى الكتب السابقة، بل يستنسخانها: "وهذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" (الجاثية 29). اهـ.
لو رجع إلى المصحف لعلم أن العبارة ليست لقس ولا نبي، ولا هي في الحياة الدنيا أصلاً، قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)} [الجاثية/28، 29].
ولما قرأ القس قوله تعالى {نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الذي يفيد صراحة استنساخ العمل فهم منها استنساخ الكتب السابقة، على عادة القس في التردد بين الجهل والاستعباط.
><
8 - اليهود يبرئون مريم .. هذا يعلمه الجميع!
قال القس: وتستفيض كتب النصارى فى الكلام على اضطراب يوسف عندما رأى مريم حاملاً بابنها، وعبثًا يحاول أن يبرئ نفسه ... وأوجزها القرآن بلومة عارفٍ ببراءة مريم فى قوله: «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيًا» (مريم 28). اهـ.
ليست عبارة {يا أخت هارون} من تعليق القرآن المباشر، فلا القائل هو رب العالمين، ولا حتى محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما العبارة حكاها القرآن على لسان شرار الخلق يهود، ولم يقولوها «بلومة عارف ببراءة مريم» بل قالوها استهزاءً من المبرأة وتوبيخًا لها وتقريعًا، واتهامًا لها بالفاحشة. ولكن أنّى للقس أن يعلم شيئًا من ذلك وقد كسل عن مطالعة المصحف! .. قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)} [مريم/27 - 29].
><
9 - النبي يقرأ القرآن المكتوب بنفسه .. لا جدال في هذا!
¥