تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - إن القضايا التي أثارها محمد أركون بخصوص الظاهرة القرآنية بدءا من التسمية ليست من القضايا الجديدة في الدراسات القرآنية، وقد سبقه إلى إثارتها كثير من المستشرقين تمت الإشارة إلى بعضهم فيما سبق. كما أن إثارة أركون لهذه القضايا تفتقر إلى الدلائل والبراهين، وهذا ما يجعل بناءه الفكري الذي يدعي له العلمية بناء متهافتا سريع السقوط.

أما اختيار تسمية "الظاهرة القرآنية" فلأن كلمة القرآن مثقلة بالشحنات الإيمانية، لا تساعد -في نظره - على القيام بمراجعة نقدية، تحتاج إلى تفكيك ... ؟ إن أركون يتضايق من كل شي له علاقة بالإيمان. من هنا يأتي حرصه على تسوية كلام الله تعالى بكلام البشر، وهذا ما لا يقبله عاقل من أي ديانة كان.

إن منهج أركون النقدي التفكيكي هذا لا يقدم أي فائدة علمية، لا للمؤمنين بالقرآن الكريم وبالإسلام، ولا إلى غيرهم، بل إنه يهدف إلى تقويض كل ما له صلة بالوحي والغيب والإيمان، وبغير دليل. إنه يزحزح فقط من أجل التجاوز ( déplacer pour dépasser).

3- إن المتتبع لكلام أركون ليصدم بفكرة واحدة يحوم حولها، وهي قضية الإيمان. وهذه القضية تتفرع عنها مجموعة من القضايا هي من الخطورة بمكان. من هنا تنتصب أمام القارئ أسئلة لا متناهية:

- ما هو القرآن؟ ولماذا أنزل؟

- ما هو الإيمان؟ ما هو الإسلام؟

- ما الضرورة إلى القرآن؟

- لماذا الإيمان؟

فإذا كان أركون يرى في القراءة اللاهوتية مجرد ترسيخ للإيمان، والإيمان كما نعلم "أن تومن بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره"، فإن هناك سؤالا يطرح نفسه وبإلحاح: ما الهدف من دراسة القرآن الكريم؟

4 - إن القراءة اللسانية تعني قراءة القرآن الكريم كما لو كان كتابا عاديا، وهي قراءة يتعاطاها الإنسان غير المسلم، كما كان يفعل المشركون وقت نزوله. وهي قراءة تعتمد أساسا على العقل، باعتبار أن اللسان هو ثمرة ما تجمع في العقل؛ ذلك أن "الكلمات تفهم ببنية معانيها الزمانية والمكانية، وبنية معاني الكلمات لأي لسان هو عقل ذلك اللسان وذلك القوم، ولذلك قال تعالى في سورة يوسف: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، أي العلاقة بين عروبة القرآن وعقله طردية" [24]. ولا داعي للتذكير هنا بالمزالق التي يمكن أن تؤدي إليها هذه القراءة من انحراف عن المقاصد وما أسفر عنها من معارك وحروب، لأنه في هذه الحالة لا يخضع القارئ لضوابط سوى ما يمليه عليه عقله [25].

6 - إن المنطلق الرئيس للسيميائيات عند كريماس كان هو الحكايات الشعبية، مما يجعل تطبيقها على النص القرآني فيه الكثير من المغامرة. أضف إلى ذلك أنه ما من نظرية ظهرت إلا وتحمل في طياتها نزعات الإيديولوجية التي أبدعتها قد لا تتفق والإيديولوجيات والهويات الأخرى. كما أن تطبيقها لا ينفصل عنها.

إن السيميائيات مطاردة للمعنى لا ترحم، بقدر ما يتمنع ويتدلل ويزداد غنجه، بقدر ما يكبر حجم التأويل ويزداد كثافة وتماسكا ويؤدي إلى "انزلاقات دلالية لا حصر لها ولا عد" حسب تعبير أمبيرتو إيكو [26]. ويمتد طموح الدرس السيميائي بوصفه علما يقارب الأنساق الهلامية، في نظر أصحابه، إلى تخليص حقول المعرفة الإنسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها، وتعوق أبحاثها من الوصول إلى نتائج تجعل منها علوما ذات سلطان لها مكانتها المرموقة في وسط المعرفة الإنسانية المعاصرة، وتمكنها من القراءة العلمية الدقيقة لكثير من الإشكاليات المطروحة، والظواهر الإنسانية التي لم تتعد إطار التأمل العابر، والتفسير الأفقي الساذج [27].

اقرأ أيضًا:

العنونة وأسماء السور في القرآن الكريم

الله والإنسان في القرآن

وجوه تجديد مناهج التفسير القرآني

تنقيح القرآن: لعبة التأويل والنص القرآني


باحث مغربي. [1]

[2]- انظر مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 146 (4/ 16) بشأن القراءة الجديدة للقرآن وللنصوص الدينية.

[3]- محمد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل ص 65.

[4]- يحيل هنا إلى كتابيه محمد رسول الله وصعوده (أوبسالا 1955)، وصعود الرسول والكتاب السماوي (أوبسالا، 1950).

[5]- محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص 19 - 20.

[6]- نفسه ص 25.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير