تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فى نهاية الكلام علامة التعجب. بَيْدَ أنه لم يفعل، وأرجح بل أكاد أوقن أنه حَسِب تلك الترجمة ترجمة خاطئة فضرب عنها صفحا، ثم زاد فأوردها فى الهامش كى يلفت الأنظار إلى أنه يعرف الصواب، وأنه لهذا قد تنكَّبها تنكُّبا إلى ذلك الصواب! وهذه الترجمة نجدها بنصها تقريبا لدى بلاشير وأبو بكر حمزة. وبالمناسبة فقد هلل بعض المصريين لترجمة بيرك حين صدرت فى التسعينات وعَدُّوها فتحا غير مسبوق فى عالم الترجمات القرآنية، وهو ما أظهرت أنه كلام فارغ فى كتابى عن تلك الترجمة الذى يستطيع القارئ أن يحصل على نسخة ضوئية منه من عدد من المواقع المشباكية، إذ الترجمة تعج بالأخطاء الشائنة حتى فيما يتعلق بأوليات القواعد النحوية والمعارف البلاغية، علاوة على ما فيها من بهلوانيات وإساءات إلى الإسلام وكتابه المجيد.

على أن هذا لا يعنى أن ننكر أن بيرك كان، من بين أصحاب الترجمات التى أنظر فيها الآن، أحد من تنبهوا إلى أن كلمة "خَلْف" (بسكون اللام لا بفتحها) التى وردت فى قوله تعالى فى الآية التاسعة والخمسين من سورتنا هذه: "فخَلَفَ مِنْ بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاةَ واتبعوا الشهواتِ فسوف يَلْقَوْن غَيًّا" لا تعنى، إذا ما أردنا الدقة، الأجيال التالية بإطلاق، بل السيئ منها، ولهذا وصفهم بـ" indignes"، على حين قال عنهم كشريد إنهم " une mauvaise progéniture"، واقتربت منه د. زينب إذ ذكرت أنهم " une mauvaise génération"، وهو ما لم يتنبه له أى من المترجمين المشار لهم، ومنهم بطبيعة الحال الدكتورالذيب!

وفى معجم "العين" مثلا للخليل بن أحمد أنه "لا يجوز أن يقال: من الأشرار خَلَفٌ، ولا من الأخيار خَلْفٌ"، وإن كان هناك من لا يلتفت إلى هذه الدقيقة اللغوية. إلا أن لغة القرآن هى من الحساسية بحيث ينبغى أن نتعامل معها بما يليق بها من الاهتمام والتدقيق. وفى تفسير الزمخشرى: "خَلَفه: إذا عَقَبَه، ثم قيل في عقب الخير "خَلَفٌ" بالفتح، وفي عقب السوء: "خَلْفٌ"، بالسكون، كما قالوا: "وَعْدٌ" في ضمان الخير، و"وَعِيدٌ" في ضمان الشر". وفى تفسير القرطبى للآية رقم 169 من سورة"الأعراف": "قال أبو حاتم: "الخَلْف" بسكون اللام: الأولاد، الواحد والجميع فيه سواء. و"الخَلَف" بفتح اللام البَدَل، ولدا كان أو غريبا. وقال ?بن الأعرابيّ: "الْخَلَفُ" بالفتح: الصالح، وبالجزم: الطالح. قال لَبِيد:

ذهبَ الذين يُعَاشُ في أكنافِهم* وبَقِيتُ في خَلْفٍ كجِلْد الأجْرَبِ

ومنه قيل للرديء من الكلام: خَلْفٌ. ومنه المثل السائر «سَكَت ألْفًا ونطق خَلْفًا". فـ"خَلفٌ" في الذَّم بالإسكان، و"خَلَفٌ" بالفتح في المدح. هذا هو المستعمل المشهور. قال صلى الله عليه وسلم: "يَحْمِل هذا العِلْمَ مِن كل خَلَفٍ عُدُولُه". وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر". أما فى آية سورة "مريم" فقد أحال إلى ما قاله فى سورة "الأعراف" مكتفيا فى تفسير "خَلْف" بـ"أولاد سوء".

وحين يترجم د. الذيب كلمة "تاب" فى الآية الستين من السورة: "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ... " نراه يستعمل فى مقابلها الفعل: " revenir"، ومعناه "عاد"، وهى كلمة فضفاضة. ومثلها الفعل: " retourner" الذى استخدمه شوراكى. أما المترجمون الآخرون فكلهم استعمل الفعل: " repentir (se) إلا ثلاثة لجأوا إلى الفعل: "عاد"، لكن اثنين منهما حددا العودة بأنها إلى الله، فيما حددها الثالث بأنها عودة إلى الندم، ولم يكتفوا بالعودة المطلقة التى لا تغنى هنا شيئا ذا قيمة.

كذلك فعندما يترجم كلمة "سَمِيًّا" فى قول رب العزة: "رب السماوات والأرض ومابينهما، فاعبده واصْطَبِرْ لعبادته. هل تعلم له سميًّا؟ " يترجمها بـ" un homonyme وهو ما يعنى: هل تعلم شخصا آخر يحمل نفس الاسم الذى يحمله الله؟ فهل هذا كلام يُعْقَل أو يُقْبَل؟ وهل هذا مما يمكن أن يقوله الله جل جلاله؟ لكنى مع ذلك لا أريد أن أظلم المترجم، إذ وجدت الترجمات الأخرى كلها ما عدا مازيغ تقول الشىء ذاته، وإن لم يستعمل جروسجان كلمة " un homonyme بل عبارة بمعناها: " qulqu'un qui ait le même nom que lui". أما ترجمة الصادق مازيغ فقالت شيئا آخر أرى أنه هو الفهم الصحيح للآية، ونصها: " En connais-tu quelqu'autre qui puisse L'égaler? ". ذلك أن معنى الكلام فى نظرى هو: "هل ثَمَّ كائن آخر يساميه سبحانه فى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير