تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللمفسرين عدة توجيهات لهذه العبارة أحدها ما جاء فى هذه الترجمة، ونستطيع ان نمثل لهذه التوجيهات بما ذكره الطبرى فى تفسير الآية. قال: "اختلف الناس في معنى هذه الأُخُوّة، ومَنْ هارون. فقيل: هو هارون أخو موسى. والمراد من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا؟ قيل: على هذا كانت مريم من ولد هارون أخي موسى، فنُسِبَتْ إليه بالأخوة لأنها من ولده، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللعربي: يا أخا العرب. وقيل: كان لها أخ من أبيها اسمه هارون، لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل تبركًا باسم هارون أخي موسى، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل: قاله الكلبي. وقيل: هارون هذا رجل صالح في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات أربعون ألفًا كلهم اسمه هارون. وقال قتادة: كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى: هارون، فنسبوها إلى أُخُوّته من حيث كانت على طريقته قبلُ، إذ كانت موقوفة على خدمة البِيَع. أي يا هذه المرأة الصالحة، ما كنتِ أهلاً لذلك".

هذا، ويفيد التساؤل الأخير للمترجم أنه يجعل من الكتاب المقدس عِيَارًا على القرآن، وكأن الكتاب المقدس وثيقة صحيحة تاريخيا لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهذا غير صحيح البتة كما يعلم الجميع. وأنا هنا لا أطالب المترجم بأن يتخذ من القرآن مرجعا يثق به ثقة مطلقة، فقد يجوز أن يردّ بأنه لا يستطيع أن يطمئن إلى القرآن بدوره، وهذا من حقه. إلا أنه كان ينبغى أن يقف موقفا حياديا بين الكتابين ويقول: هذا ما وجدته فى كل منهما، وأترك الأمر للقراء ليروا فيه رأيهم. ذلك أنه ليس هناك دليل على أن والد السيدة مريم العذراء اسمه يواقيم كما يقول النصارى. بل إن الأناجيل الأربعة القانونية لا تذكر اسم والدها البتة. إنما ذلك موجود فى أحد الأناجيل الأخرى التى لا تعترف بها الكنيسة. فمن الممكن جدا أن يكون اسم والد العذراء عليها السلام هو عمران كما قال القرآن، وإلا فهل هناك محظور كونى يحيل إطلاق الاسم الواحد على أكثر من شخص فى عهود تاريخية متباعدة كى ينكر المنكرون أن اسم العذراء هو عمران لا يواقيم، أو أن الاسمين هما كليهما له: واحدٌ اسمًا، والآخرُ لقبًا مثلا؟

وكنت قد رجعت منذ عدة سنوات إلى معجم أوكسفورد لأسماء الأشخاص بحثا عن شىء يضىء لى الطريق فيما يتعلق باسم "يواقيم"، الذى يقول النصارى إنه أبو مريم، فوجدته يذكر أن عندهم رواية بأن مريم هى ابنة يواقيم، لكنه أضاف أن هذه الرواية لا تحظى بثقتهم ( Elizabeth Gidley Withy Combe, The Oxford Dictionary of English Christian Names, 1948, P. 78). ثم قرأت فى مراجع أخرى أن الرواية المقصودة هنا هى ما تقوله بعض الأناجيل التى لا تعتمدها الكنيسة. وقد اطلعت على الرواية فعلا فى "إنجيل يعقوب: The Gospel of James" و"إنجيل ميلاد مريم: The Gospel of the Nativity of Mary"، وكذلك "إنجيل متى المزيف (هكذا يسمّونه رغم أنه لا يفترق عن إنجيل متى الذى يعترفون به فى أن كليهما تأليف بشرى لا يخضع للضبط العلمى): The Gospel of Psewdo-Matthew". وهى كلها أناجيل لا تعترف بها الكنيسة، ومن ثم لا يحق لها أن تحاجّ المسلمين بها، إذ لا يعقل أن آتى بشاهد فأحتج بشهادته إثباتًا لحقٍّ أدَّعيه، على حين أنى أعلن فى كل مناسبة أنه شاهِدُ زورٍ، وأنى أنا نفسى لا أثق فى شهادته طرفة عين. ألا إن هذا لَقِمّةُ التناقض!

ثم إن الأناجيل القانونية ذاتها لتضطرب كثيرا فى مسألة الأنساب. ولن نذهب بعيدا، فهناك فى تلك الأناجيل سلسلتا نسب للمسيح عليه السلام لا تتسقان بحال، إذ هناك اختلاف حاد بينهما فى عدد الحلقات وفى ترتيبهما جميعا، إلى جانب أن إحدى السلستين تتحدث عن نسبه بوصفه ابن يوسف النجار، أستغفر الله. وفوق ذلك فالسيد المسيح، حسبما نعرف، كثيرا ما يسمى: "ابن داود" رغم ما يفصل بينه وبين أبى سليمان من أجيال متعددة. بل ثمة نص فى الإصحاح السادس عشر من إنجيل لوقا نرى فيه غنيًّا متكبرا من عصر المسيح يموت فيُلْقَى به فى النار فيصرخ من شدة العذاب قائلا: يا أبى إبراهيم، ارحمنى"، ومعروف أن المسافة الزمنية بينه وبين الخليل أطول كثيرا جدا مما بين المسيح وبين قاتل جالوت، وهذا إن كان بينه وبين إبراهيم أى نسب على الإطلاق. كما أن المسيح ذاته فى الإصحاح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير