وعلى ذلك فالمقارنات التي قمتم بها بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم في الحقيقة هي مقارنات متكلفة جداً للبحث عن أوجه التناظر، لأن هناك أوجه واضحة جداً وأكثر تقارباً وتشابهاً وقد تجاوزتموها وهذا في الحقيقة بسبب المنهجية الانتقائية التي سلكتموها في بحثكم المسائي اليوم.
يكفي أن نعود إلى كتاب الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل لنجد أن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قد أجرى مقارنات ممتعة بين النصوص القرآنية أو النبوية والنصوص الإنجيلية وهي أكثر اتساقاً وتناظراً مما رأيناه اليوم.
ومع ذلك فإن القرآن الكريم في الوقت الذي يطرح نفسه على أنه مصدق لما قبله، فهو مهيمن أي مصحح للأخطاء التي لحقت الكتب المقدسة، وهو في ذلك لا يجامل ولا يماري فهو يقول: // يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ... // ويقول: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى .. // ولكنه يهاجم بصراحة وقوة أحياناً:
فيقول // لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ... // أو // لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم .. // // لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم .. //
إلى آخر الآيات ...
وفي الخاتمة:
لقد كانت هذه الورشة العلمية جد ممتعة ومفيدة وقد تميزت بالصراحة والأكاديمية، وكان الباحث في الحقيقة قد تميز بعدة ميزات:
- الجهد الكبير والتعب الشديد الذي اقتضاه منه هذا البحث فهناك في الحقيقة تفاصيل كثيرة لم أستطع أن أشير إليها في عرضي السابق بسبب السرعة وضيق الوقت.
- التواضع العلمي والروح العلمية التي تطفح بها لغة الباحث وكلماته وعباراته.
- الأدب الجم مع المخاطبين ومقدساتهم ومعتقداتهم فهو لا يذكر النبي محمداً إلا ويردف ذلك بقوله: عليه الصلاة والسلام ولا يذكر الله إلا بقوله عز وجل والقرآن: الكريم ... رغم أنه أكد منذ البداية على أنه مسيحي متدين. ولم يكن في أدبه وتواضعه متصنعاً أو مجاملاً بل كأني به قد ربّى نفسه على احترام معتقدات الآخرين، وقد كنت طوال الجلسة أقارن بين طريقة عرضه وطرائق علمانيينا العرب الذين تخصصوا في الاستفزاز، والتهشيم، واختطاف الأضواء وصدام المشاعر.
- وفي ردوده كان الرجل دائماً يشير للحاضرين إلى أنه لم يأت هنا ليفسر القرآن للمسلمين ولا ليبين لهم معتقدات الإسلام هذا شأن العلماء أهل الاختصاص، مهمتي هي: أن أعرض عليكم منهجي في قراءة القرآن فإن أعجبكم فهو المراد وإن لم يعجبكم استفدت من ملاحظاتكم وتوجيهاتكم.
قال الرجل ذلك لأنه كان في الحقيقة هناك كثيراً من الردود والمناقشات خارجة عن نطاق المحاضرة ولا تمت إليها بصلة، ولذلك كان الرجل يعيد التأكيد دائماً على أنه ليس متخصصاً في تفسير القرآن. ولا في صياغة معتقدات المسلمين.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
هناك تعقيبات وإضافات لبعض الإخوة المشاركين وقد طلبت منهم أن يزودوني بها مكتوبة لأضيفها فوعدوا بذلك فلعلهم يفعلون لأضيفها إلى هذا العرض.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[01 Feb 2008, 12:43 ص]ـ
أحسن الله إليك، يا د. أحمد على هذا العرض، وقد استفدت منه كثيرا، ونبهني إلى بعض الأمور:
1 - ملاحظة حكم المستشرقين على القرآن بتفكك المعاني وتبعثر الأفكار، تماما مثل الإنجيل، مسألة تثير الانتباه. ولعل فهم منهجية المستشرقين في الحكم على النص بالترابط والترتيب يساعد في محاورتهم. فعلى أي أساس يبنون حكمهم، وهل لهذا الأمر علاقة بالمنهجية العلمية أو بالمناهج الأدبية الغربية؟
2 - ألا يكون الاعتناء بالتفسير الموضوعي طريقا لبيان متانة النص القرآني وترتيه؟
3 - ملاحظة عدم التكلف والتصنع في تأدب المستشرق مع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتابه الكريم، ملاحظة أشكرك على نقلها لنا. وقد عايشت مواقف شبيهة في الواقع الذي أعيش فيه. وممن أشهد له بذلك مسئول الخدمات الدينية للطلبة في جامعة (لافال) بكيبك سيتي، وهو أسقف مسيحي وموظف بالجامعة، وهو حريص (منذ إنشاء جمعية الطلبة المسلمين بالجامعة) على حضور مؤتمرات الجمعية. بل أشهد له أنه حتى في فترات الراحة بين المحاضرات لأداء الصلاة، كان يحرص على عدم التخلف، وكان يقف في الصف الأول ويصلي معنا، ركوعا وسجودا، يقينا منه أن رب المسيحيين هو رب المسلمين، وأن لحظات الوقوف بين يدي الله عز وجل فرصة يجب أن تغتنم، وأن هذه الفرصة توجب عليه عدم الوقوف خارج القاعة للانتظار أو الحديث، فيما يكون المسلمون في لحظة روحية يتواصلون فيها مع الله عز وجل.
وقد روى لي من أثق في حديثهم من مسؤولي المدينة، أنهم كثيرا ما رأوه دامع العينين عند سماعه لبعض المحاضرين لما عرف من الحق.
وقد حير سلوكه هذا كثيرا من الإخوة بين من يظن أنه مؤمن يخفي إيمانه، ومن يرى أنه مستهزئ يستخف بدينه وبدين الآخرين، أو ممن يؤمنون بوحدة الأديان ...
كما أشهد له بوقوفه مع جمعية الطلبة ومساعدته لها، بمواقفه ونصائحه وحتى بتغطية المصاريف المالية، في كثير من المواقف والأنشطة.
4 - هل يمكنك كتابة اسم المستشرق ميشيل كويرس بالأحرف الللاتينية حتى أتمكن من البحث عن إنتاجه العلمي على الإنترنت أو في المكتبات؟
مرة أخرى: جزاك الله خيرا.
¥