نولدكه هو أحد أقطاب الاستشراق الألماني، وشيخ الألمان بدون منازع، به انتهت الحقبة الزاهية للاستشراق الألماني. وقد جعل مدينة ستراسبورغ في نهاية حياته مركزاً للاستشراق الأوربي. وحصيلة جهوده في مجال دراسة النص القرآني؛ أصبحت عمدةً ومنطلقاً للدراسات القرآنية في أوربا، وأصبحت تنبني عليها أخطر النتائج في مجالات الدراسات الإسلامية. فقد كان أكبر متخصص في علوم القرآن في أوربا كلها.
أ – مسيرته العلمية:
ولد ثيودور نولدكه في هاربورغ سنة 1836 في أسرة شغل أفرادُها مناصب علمية وإدارية. درس اليونانية واللاتينية على والده. وتمكن من اطلاع واسع على الآداب اليونانية. تسجل في كلية غوتنجن Gottingen سنة 1853، فأتقن ثلاث لغات سامية هي: العبرية، والسريانبة، والعربية. كما تعلم اللغة الفارسية والتركية والسنسكرتية على أستاذ اللغات الشرقية: هانيريش إفالد H. Ewald ( 1803 – 1875) ؛ ليصبح مستشرقاً.
وحصل على الدكتوراه سنة 1856 برسالة له باللاتينية تناول فيها " أصل القرآن وتركيب سوره "، وهو في سن العشرين. وفي سنة 1860، ترجم رسالته هذه إلى الألمانية بعد تنقيحها ووضع لها عنوان " تاريخ القرآن "، وهذه الطبعة توسع فيها جدا فيما بعد بالتعاون مع تلميذه شفالي. ثم بدأت رحلاته العلمية إلى ليبزيج وفيينا وليدن وبرلين؛ وذلك لاستكمال دراسته والوقوف على المخطوطات:
كانت له زيارة إلى فيينا (1856 – 1857)، تمكن خلالها من الاطلاع على المخطوطات العربية، وبعد ذلك كان له اتصال بكثير من المستشرقين الهولنديين: رينهارت دوزي Reinhart Dozy ( 1820- 1883 ) ويونبول Jnynboll ( 1832 – 1890) ...
وببرلين (1858 – 1860) اشتغل مساعداً بمكتبة برلين. وكُلِّف بوضع فهرست للمخطوطات التركية هناك.
وفي سنة 1961 عُيِّن مُعيداً في جامعة جوتنجن فكلَّفه إفالد بإلقاء دروس في التفسير للعهد القديم ودروس في نحو اللغة العربية.
وسمي أستاذ كرسي للغات السامية والسنسكرتية في جامعة كييل (1864 – 1872).
ثم عُين أستاذاً للغات الشرقية في جامعة ستراسبورغ بين 1873 و 1920 فجعلها مركز للدراسات الشرقية في ألمانيا. وبالرغم من أن المدينة أصبحت فرنسية بعد الحرب العالمية الأولى؛ فإن أحداً لم يجرؤ على طرده منها؛ لكونه جعل من ستراسبورغ مركز الاستشراق الأوربي في تلك الحقبة. وفي سنة 1920 انتقل إلى مدينة كارلسرويه (منطقة الرين الأعلى) وقضي هناك سنواته الأخيرة عند ابنه الذي كان آنذاك مديراً للسكك الحديدية، إلى أن توفي سنة 25 ديسمبر 1930 (12).
ب – أعمال نولدكه وآثاره:
ترك في عمره المديد (94 سنة) حوالي سبعمائة بحث فضلا عن أربعة وعشرين كتابا. وقد وضع المستشرق بيكر فهرسا كاملا عن أعمال نولدكه. ويحتوي على أكثر من 700 عنوان في مجلة الإسلام: 1932. ولعل من أهم الأسباب التي مكنت نولدكه من بلوغ تلك المكانة العلمية، وتلك الشهرة التي حظي بها في حياته وبعد مماته؛ اطلاعه الواسع على أهم المخطوطات في اللغات السامية، وانكبابه على دراسة القرآن في ضوء تعمقه لتلك اللغات وعلى دراسته للشعر العربي القديم، وعنايته باللغة والنحو العربيين، مع التزامه بمنهج صارم طغى على تعامله مع الحقائق. " وقد طبق منهجا تحليلا على العهد القديم أثار عليه ضجة داخل أروقة جامعة كييل " (13).
وإلى جانب رسوخه في علوم القرآن، وإسهامه في وضع أسس البحث العلمي للدراسات القرآنية التي جاءت بعده؛ فقد كانت له مشاركة فعالة في حقول قريبة من مجال القرآن الكريم.
(1) في مجال المعجم العربي:
سجل نولدكه على نسخته الخاصة من معجم فرايتاخ G. Fretag ( 1788 – 1861) [ وهو معجم لاتيني في أربعة أجزاء نشره في هاله: 1830 – 1837] أمثلة كثيرة جدا نتيجة اشتغاله بالنصوص العربية. وقام يورج كريمر J. Kraemer ( 1917 - 1961 ) ببحث المواد التي سجلها نولدكه، ونشرها في " معجم استشهادات للغة العربية الفصحى: إعداد نولدكه " 1952 - 1954 – (14).
(2) في مجال الشعر العربي:
¥