تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكتاب نولدكه يعتبره أبو عبد الله الزنجاني في كتابه " تاريخ القرآن " من أهم ما ألفه الإفرنج في تاريخ القرآن؛ إذ بحث فيه صاحبه بتضلع عميق. وحاول أن يكون موضوعيا بقدر الإمكان. وقد تناول البحث حقيقة الوحي والنبوة وما بينهما من علاقة، وحاول ربط السيرة النبوية بتاريخ السور مكيها ومدنيها، كما تناول حكمة نزول القرآن وأسباب نزول الآيات وغيرها من الموضوعات (22).

وأما بلاشير REGIS BLACHERE ( المستشرق الفرنسي 1900 – 1973) فيرى أنه بفضل نولدكه ومدرسته أصبح ممكنا من الآن فصاعدا أن نوضح للقارئ غير المطلع ما يجب أن يعرفه عن القرآن؛ ليفهمه بتوعية، وليتخطى القلق الذي ينتابه عند اطلاعه على نص يغلب عليه الغموض (23).

يبدو أن عناية نولدكه بالنص القرآني كانت وراء شهرته، ولا شك أن جهوده في حقل الدراسات القرآنية ظلت معلمة بارزة في أعمال المستشرقين على الإطلاق. وإن القارئ لدائرة المعارف الإسلامية يُثير انتباهه حقا مكانة نولدكه عند كتاب مواد الدائرة؛ إذ تراهم يعتبرونه عمدة وحجة في كل ما يتعلق بقضايا النص القرآن. وقد اتضح لي أن كتابه " تاريخ القرآن " هو أخطر بحث أُنجز في الدراسات الألمانية في بابه؛ لما كان له من تأثير وإشعاع، وحضور دائم في كل الدراسات التي تعرضت بعده للنص القرآني. وقد أشرت إلى أن موضوع أطروحته، كان " أصل القرآن وترتيب سوره " (1858).

كان المستشرق الألماني غوستاف فلوجل (1802 – 1870) أول مًن وضع فهرسا أبجديا لمفردات القرآن مع ذكر رقم السورة ورقم الآية التي ترد فيها. وأسماه " نجوم الفرقان في أطراف القرآن " (وقد كان نواة صالحة اعتمدها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في وضع " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم " تعقب عليه ما فاته، واستدرك فيه ما خفي عليه من وجه الصواب). ومما يتمم كتابه " تاريخ النص القرآن " دراسته " في لغة القرآن" التي نشرت في مجموعة " مقالات جديدة في علم اللغات السامية " 1910. وقد ضمت تلك الدراسة المواضيع الآتية: " القرآن والعربية: خصائص أسلوبية، وخصائص تكوين الجمل في لغة القرآن " و " كلمات أجنبية مستعملة عن عمد وعن غير عمد في القرآن ".

وفي " موضوع " القرآن والعربية " نقد نولدكه ما روَّج كارل فولرس K. Vollers ( 1850 – 1909 ) في كتابه " لغة الكتابة واللغة الشعبية في بلاد العرب قديما ". فقال إن النص الأصلي للقرآن كان مؤلفا بلهجة من اللهجات كانت سائدة في الحجاز وكانت خالية من الإعراب. وقد أذاع فولرس أن القرآن كان في بادئ الأمر بلسان عامة قريش وأن القرآن قد عُدِّل وهُذب حسب أصول اللغة الفصحى في عصر ازدهار اللغة العربية (25).

ومما يُلاحظ أن كُتاب دائرة المعارف الإسلامية من المستشرقين اعتمدوه، كما اعتمده كُتَّاب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض اللغات الأجنبية، وهناك نقول من كتاب نولدكه استفاد منها الباحثون عامة في مجالات الدرس القرآني. ولا يخفى أن أهم ما بحثه المستشرقون في الدراسات القرآنية هو موضوع تاريخ القرآن: لغته، نزوله، تدوينه، قراءته ... وينبغي التذكير بأن المنهج التاريخاني الاستشراقي وجد ضالته خلال القرن التاسع عشر في محاولات إعادة ترتيب السور القرآنية في ضوء الظروف والمناسبات التي مرَّت منها الدعوة الإسلامية ... فذهب البحث يرصد أخبار تدوين القرآن، ويتتبع تحركات الوحي، ويُفتش في أسباب النزول؛ وهو مشدود إلى الأرض يبحث عن ظاهرة يُؤكد بها بشرية القرآن.

رابعا: دعاوى وأوهام في آراء نولدكه

(1) تناقضه في شأن دقة النص القرآني

حول توثيق النص القرآني، يلاحظ أن موقفه لا يخلو من تناقض واضطراب، فهو قد لمح إلى وجود التحريف في القرآن في كتابه " تاريخ النص القرآني "؛ وذلك حين كتب فصلا بعنوان: " الوحي الذي نزل على محمد ولم يُحفَظ في القرآن "، ثم نجده يًصرح بالتحريف في مادة " قرآن " بدائرة المعارف الإسلامية، حين يقول: " إنه مما لا شك فيه أن هناك فقرات في القرآن ضاعت "، وفي مادة " قرآن " في دائرة المعارف البريطانية يُقرر مسألة التحريف في القرآن فيقول: " إن القرآن غير كامل الأجزاء ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير