تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتناقض نولدكه يبدو في موقفه من المستشرق الألماني " فولرس " الذي زعم أن القرآن مؤلف بلهجة قريش، وأنه عُدِّل حسب أصول اللغة الفصحى في عصر ازدهار الحضارة العربية؛ فانبرى إليه نولدكه يرد عليه موضحاً أن كلامه عارٍ من الصحة والتحقيق العلميين (26).

ويبدو أن نولدكه أسهم بشكل قوي في ترسيخ مسألة التحريف في الفكر الاستشراقي؛ فقد فتح الطريق أمام تحريف القرآن.

ويجد الباحث أصداء تلك الدعوى في أعمال المستشرقين، ومن خلالها انتقلت إلى أذهان كثير من الأوربيين. ويتضح فيما كتبه المستشرق "بول " في دائرة المعارف الإسلامية الألمانية (مادة " تحريف). وقد اعتبر " بول " التحريف تغييرا مباشرا لصيغة مكتوبة، وأن الأمر الذي حدا بالمسلمين إلى الاشتغال بهذه الفكرة هو ما جاء بالقرآن من آيات اتهم فيها محمد صلى الله عليه وسلم اليهود بتغيير ما أنزل إليهم من كتب، وبخاصة التوراة. ولكن عرضه للوقائع والشرائع التي جاءت في التوراة انطوى على إدراك خاطئ أثار عليه النقد والسخرية من جانب اليهود، فكان في نظرهم مبطلا.

وقد أثار الكاتب دعاوى لم يستطع أن يُدلِّل على صحَّة واحدة منها على الإطلاق ... وصاحبه في بحثه انحرافٌ وإسرافٌ لا يَمتّان إلى استكناه الحقيقة بصلة، وقد تفضَّل بالرد على أغلب هفواته الأستاذ أمين الخولي في هوامش دائرة المعارف الإسلامية.

(2) فواتح السور: ومما يَغمِزُ به نولدكه دقة النص القرآني؛ ادعاؤه الغريب أن أوائل السور دخيلة على هذا النص. ففي الطبعة الأولى في كتابه "ّ تاريخ القرآن " بالاشتراك مع شافلي، تظهر- لأول مرة فكرة في تاريخ الدراسات القرآنية - فكرة لا ترى في أوائل السور إلا حروفا أولى أو أخيرة مأخوذة من أسماء بعض الصحابة الذين كانت عندهم نُسَخ من سور قرآنية معينة. فالسين من سعد بن أبي وقاص، والميم من المغيرة، والنون من عثمان بن عفان، والهاء من أبي هريرة، وهكذا. فهي- عنده – إشارات لمن كانوا يملكون تلك الصحف، وقد تُركت في مواضعها سهواً، وبمضي الزمان أُلحقت بالقرآن.

ويبدو أن نولدكه شعر بخطأ فكرته فرجع عنها، وأن شافلي أهملها وأغفل ذكرها فيما بعد في الطبعة الثانية، لكن المستشرقين " بُهُل " و" هرسفيلد" قد تحمَّسا لها من جديد وتبَنَّيَها مُتغافليْن عن مدى بُعدها عن المنطق السليم (27).

تجنيه على الأسلوب القصصي في القرآن

نولدكه يُبدي إعجابَه بالإعجاز البياني للقرآن، ونجد ه دقيقاً وعميقاً، يأخذك الإعجاب بموضوعيته ومنهجيته، واطلاعه الواسع، ثم سرعان ما يتغيَّر؛ فيسعى إلى التدليس والتجريح، وأنت في غمرة الإعجاب ... وتتبدى لك بضاعته في تذوق أساليب القرآن، وتحس بالسموم الاستشراقية الدفينة تجري في كيانه، وترى المنهجية والموضوعية تتهاوى وتتساقط.من ذلك انه وجد في قصص القرآن انقطاعا وبترا يفسدان ترتيب الأخبار وتسلسلها، ويعرضها إلى الغموض. وهو موقف نابع من تشبع وجدانه بأسلوب القصة في التوراة، ونابع من جهله بخصوصيات القصة القرآنية، وتناغم أسلوب الوحي مع مقاصد السماء والأرض. وقد راجعه أنيس المقدسي، فرد عليه قائلا:" ولا يجوز مقابلة هذا الأسلوب بأسلوب القصة في التوراة لاختلاف الغرض فيهما. ففي التوراة عدا أسفار الأنبياء والأمثال والأناشيد الروحية، حوادث تاريخية منظمة تجري الأخبار مجراها الواضح العادي. أما القرآن فإنه يشير إلى الحوادث التاريخية بوثبات ومجملات روحية خطابية لا يقصد بها تسلسل الخبر، بل يقصد بها إلى التذكير والتهويل. ولذلك ترد مرارا بحسب ما يقتضيه الكلام، وكثيرا ما ترد على سبيل الإشارة والتلميح. والنسق الخطابي يقتضي التكرير كما هو معروف " (28).

كما انتقد نولديكه اضطراب الأسلوب القصصي في القرآن، انتقد تكرير بعض الألفاظ والعبارات تكريرا لا مسوغ له في رأيه، وأشار إلى كثرة انتقال القرآن في خطاباته من صيغة إلى أخرى، ومن حال إلى حال؛ فمن غيبة إلى خطاب، ومن ظاهر إلى مضمر، وبالعكس، واعتبر ذلك مجالا للتجريح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير