الحق أن للرجل ثغرات تبعد صاحبها عن التمعن والتدقيق وروح الإنصاف وتجعله متطرفا " ومرده في هذا – مع حسن الظن - إلى عدم تمرسه بضروب البلاغة العربية ... ولعل في آرائه مزيجا بين الهراء والدس الذي لا يحمد عليه اسم مثله. ومتى كان العالم جانبيا في التفكير، أو هامشيا في التعليق، أو سطحيا في الاستنتاج، أخذت عليه هذه المآخذ الفجة " (29).
لا ننسى أن نولدكيه تتلمذ لهنريخ إيفالد 1803 - 1875 وهو لاهوتي في تكوينه، كرس أعماله الأولى لترجمة العهد القديم، وحاول توسيع أفق اللاهوت عن طريق اللغات. ونولدكه طبع بتربيته، وطبق في أحد كتبه مناهج التحليل حول العهد القديم، وهي تحاليل أثارت ضجة في الجامعة. والغريب أن ايفالد يعيب على نولدكيه منهجه التأملي (30).
وعلى أي فإن جهود الاستشراق تضاءلت أمام بلاغة القرآن، فقد أضاع المستشرقون المفاتيح البيانية للدخول إلى رحاب القرآن يوم قالوا ببشريته؛ مما أنساهم قدس الوحي وربانيته، فراحوا يبحثون في سيرة الرسول الكريم لعلهم يعثرون عن مصدر للقرآن ...
ولا عجب أن بتسرب القوم إلى أدق خفايا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أدق خفايا تاريخ الإسلام. وتقوم جماعة من المستشرقين، في طليعتها سخاو Sachau ( 1845 – 1930 ) بنشر كتاب الطبقات لابن سعد؛ الذي يُعد مرجعاً هاماً للعصور الأولى من التاريخ الإسلامي (31).
ومن الرسائل الجامعية المقدمة في ألمانيا أذكر:
- رسالة غوستاف فايل (1808 – 1889) بعنوان " مدخل تاريخي نقدي للقرآن "
- رسالة فرانكيل (1855 – 1909) " الكلمات الأجنبية في القرآن "، ليدن 1878.
- رسالة برجشترسير " حروف النفي في القرآن "، ورسالته للأستاذية " معجم قراء القرآن وترجماتهم ".
ويمكن الإشارة إلى بعض الجهود الألمانية في مجال الدراسات القرآنية:
فرايتاخ (1788 – 1861) حقق أسرار التأويل وأنوار التنزيل للبيضاوي، ليبزيج 1845.
– يوزوف هورفيتش (1874 – 1931) من أعماله: الأسماء والأعلام في القرآن، مشتقاتها – الأسماء والأعلام في القرآن – اشتقاق لفظة قرآن – النبوة في القرآن.
المهم أن كتاب نولدكه " تاريخ القرآن " قد مهّد الطريق للغرب لمعرفة القرآن وخلق مدرسة، وأصلت البحث في التأريخ للقرآن، وآراء هذه المدرسة تناقلتها أقلام المستشرقين والمستعربين على السواء. ويلاحظ في هذا الصدد أن المستشرق الفرنسي بلاشير قد تبنى كثيراً من آراء هذه المدرسة، وأشاع نتائجها بحوثها. وقد أشرت إلى القول بلاشير " إنه بفضل نولدكه ومدرسته أصبح ممكناً من الآن فصاعداً، أن نوضح للقارئ غير المطلع ما يجب أن يعرفه عن القرآن ".
ويلاحظ أن هذا الكتاب لم يُترجم إلى العربية بالرغم محاولة من الأزهر.
خامسا: مدرسة نولدكه والقرآن
تلامذة نولدكه هم فطالحة المستشرقين الألمان، أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- إدوارد سخاو (1836 – 1930)، مؤسس معهد اللغات الشرقية، برلين 1888، ويرجع إليه الفضل في تعريف الغرب بالبيروني (حقق الآثار الباقية من القرون الخالية مع ترجمة إنجليزية، لند 1879، وترجمة فرنسية، ليبسيج 1923 بمساعدة فستنفيلد ( Ferdinand Wuestenfeld 1808 – 1899) . كما حقق ماللهند من مقولة 1887، وترجمه إلى الإنجليزية (32).
- جيورج يعقوب ( George Jacob : 1862 – 1937 ) ، عني بعلاقة العربية لغةً وحضارة بلغات أوربا الشمالية والشرقية. وأطروحته " تجارة العرب الشمالية البلطيقية " ونال شهادة الأستاذية حول الشعر الجاهلي حقق فيها أسماء النباتات المذكورة في الأشعار (1892)، وله أثر الشرق في الغرب ولا سيما في العصر الوسيط (1924)، ولقد نقله إلى العربية فؤاد حسنين علي (33).
¥