وعلى أي، ينبغي ألا ننخدع ببريق المنهج الاستشراقي، ونتناسى ما يبغيه من عنايته بالقرآن. إن غاية القوم هي نسف النص من أساسه وإشاعة الشك في توثيقه، وبالتالي تشكيك شعوب الأرض – ومن بينهم المسلمون – بحقيقة الوحي. وهي حقيقة تعذَّر على العالم الغربي أن يُقربها فحاول أن ينسف علاقة القرآن بالسماء؛ لأن الفكر الغربي مشدود إلى المادة. وكتاب " تاريخ النص القرآني " على ما يدعيه له بعضهم من دقة وموضوعية ومنهجية؛ فإنه من تلك الجهود التي طمست حقيقة الوحي في الذهنية الغربية. فلم يستطع أن يتمثل حقيقة الوحي الالهي فظل مشدودا إلى الأرض يبحث عن مصدر للقرآن فيها. وقد أشاعت كتبه ومقالاته داخل دوائر المعارف أوهما تشكك غير المسلمين وبعض المسلمين في حقيقة الوحي.
وخطورة المدرسة الألمانية في مجال الدراسات القرآنية أن نتائجها تسربت إلى دوائر المعارف بلغات العالم، وأسهمت في طمس حقيقة الإسلام في قلوب كثير من الخلائق، في العالم الغربي خاصة، وتحاملت على الوحي لنفي ألوهيته وإشاعة بشريته.
وحقيقة الوحي حُجبت عن عقول المستشرقين نتيجة عوامل أهمها:
- تعصب ديني أعمى كثيراً من العقول، وكان ذلك من نتائج نزعة لاهوتية حاقدة على الإسلام والشرق.
- نزعة استعلائية ترى حضارة العرب بركة صغيرة بلغها شيء من الماء من نهر اليونان العظيم الخالد.
- شيوع عقلانية شدت أنظار المستشرقين إلى العوامل المادية.
- تاريخانية كبَّلت تلك العقلانية في الزمان وقهرتها بالدهرية؛ فهي مشدودة للشرط التاريخي تتحرك بحركته.
- علمانية تتعقلن في دهريتها، تستبعد اللألوهية، وتعتبر منتهاها في دنياها.
- إمبريالية تريد أن تُعربد بأموال غيرها، وأن تفرض غرورها على المستضعفين في الأرض. يقول محمد الغزالي: " إن الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث؛ وهي أبعد ما تكون عن بيئة العلم والتجرد. وجمهرة المستشرقين مستأجرون لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه " (41).
ومما أفسدت على المستشرقين التعاملَ مع القرآن الكريم نذكر:
- استغراقهم في الكيد للإسلام، وهو كيد غذته الكنيسة منذ اتصل العالم الغربي بالعالم الشرقي، تشبعوا به في دراساتهم اللاهوتية للتلمود والآناجيل.
- قراءة القرآن بنزعة لاهوتية يطبعها التعصب، وقلب الحقائق، والتشكيك، والاستعانة بالأقوال الشاذة.
و تعاملوا مع القرآن كما يتعاملون مع كتبهم الدينية؛ فهم كما بحثوا في كتبهم عن التحريف الذي طرأ على العهد القديم والجديد لدى اليهود والنصارى؛ بحثوا في القرآن عن التحريف، وهم كما تناولوا الأساطير في كتبهم؛ ذهبوا يدرسون القرآن وكأنه من الأساطير والأسفار الشعرية، فهم " ينظرون إلى الكتاب المقدس؛ بعهديه القديم والجديد؛ باعتباره وثيقة تاريخية هي نتاج مراحل تاريخية معينة؛ يخضع للنقاش والنقد مثل الوثائق الأخرى القديمة والحديثة. وفي القرن التاسع عشر كانت دراسة " الكتاب المقدس " قد أصبحت علماً قائماً بذاته لا علاقة له تقريباً بمشاعر الناس الدينية؛ مثل التاريخ الإغريقي القديم ... " (42). فهم يُخضعون معطيات الكتاب المقدس لطبائع الأدب البشري وخصائصه.
- و" منطلقهم المنهجي" في كل ذلك اعتبار القرآن من وضع النبي عليه الصلاة والسلام،؛ فتخبطوا كثيرا في تفسير ظاهرة الوحي، كما تخبطوا في تحديد مصدر القرآن؛ فكان عند أغلبهم تلفيق بين اليهودية والمسيحية. وقبلهم بقرون قال مشركو قريش: {وقال الذين كفروا إنْ هذا إلاَّ إفْكٌ افتراهُ وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزوراً. وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا. قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً} [الفرقان: 4 – 6].
" وأكثر المستشرقين لم يتوصلوا إلى تكوين فكرة صحيحة عن مصدر القرآن، ولا عن الوحي الذي أنزل عليه " (43)
فالقرآن في تقديرهم يُمثل مرحلة تأتي بعد الأدب الجاهلي. ومن ثم فهم يدرسونه باعتباره ظاهرة أدبية؛ تُقوَّمُ بمقاييس النقد الأدبي.
ومن نتائج ما خلفته هذه الجهود في دراسة القرآن:
¥