وأدعو المنصفين من الباحثين إلى تأمل مهزلة الفقهاء الملتفين حول الحكومات الوطنية وما يزيدون به الطين بلالا وما يزيدون به الفتنة اشتعالا حين يصدعون بكفر وبفسق التنظيمات السرية والجهادية وأنهم فئة ضالة مارقة من الدين كالخوارج الأولين.
ونسي أو تناسى فقهاء الحكام أن الأصول الفقهية التي يعتمدونها لأنفسهم ولفتاويهم هي أقرب إلى التنظيمات السرية والجهادية وإلى الخوارج وسائر أهل الأهواء والكلام، وأنها ردة فعل من مدرسة الفقهاء المتكلمين حين تسلطن في العهد الأموي غير أفقه الناس وأكثرهم اجتهادا.
أما التأصيل الذي استنبطته من الكتاب المنزل فلن يصح الاختلاف فيه لإجماع الأمة جيلا بعد جيل على المصحف العثماني الموجود اليوم بين دفتي المصاحف والحمد لله على نعمته حفظ القرآن.
ومن يختلف فيما تضمن الكتاب المنزل من أمر امتثال أو اجتناب كلف وخوطب به الملائكة والنبيون ثم بآخر خوطب وكلف به النبي ? ثم بآخر خوطب به الذين آمنوا ثم من دونهم رتبة فمن دونهم.
ولا أدعي أنه هو الحق وإنما هو استنباط طالب علم قاصر لم يكتمه خشية احتمال موافقة الحق وحرصا على أن يقوّم اعوجاجه خواص الأمة ومتخصصوها المنصفون المتجردون من التقليد وعثرات الأخطاء المنهجية.
ولم أقصد بهذا البحث نقض الأصول الفقهية القائمة منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا، فذلك بحث لاحق إن شاء الله، وإنما قصدت التمهيد لمراجعة تلك الأصول ولأعين الباحثين المتجردين المعاصرين واللاحقين بتأصيل من الكتاب المنزل لن يصح الاختلاف عليه وإنما سيجتمع عليه أصحاب المذاهب والفرق المختلفة المنتسبة إلى الإسلام.
إن الحقيقة سواء كانت ابتدائية أو متوسطة أو كلية ستبقى كذلك لا يزيدها إجماع جميع الإنس والجن عليها ولا ينقصها نكرانهم في عصر من العصور أو عبر التاريخ، وهكذا فإن شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله كلية من الكليات ستبقى كذلك لا تنقص بإنكار المنكرين ولا تزيد بإقرارهم.
وهكذا لم ينقص من وحدانية الله تعالى إنكار أهل الأرض جميعا قبل أن يخالفهم كل من نوح وإبراهيم وحده بإعلان التوحيد.
إن الإجماع على ما في الكتاب المنزل من عند الله وعلى ما جاء به النبي ? من العلم والتشريع مع القرآن لا يزيد الوحي قوة في الدليل على قوته، غير أن إجماع أهل الأرض أو أهل العلم على حقيقة هو الذي يزداد به إيمان وعلم المجمعين.
وأما الإجماع ممن يعتبر إجماعهم على ما لم يتضمنه الكتاب المنزل والأحاديث والسنن النبوية فلا خلاف في الأخذ به في التشريع أي العبادات والمعاملات قبل ظهور الحكم الشرعي من الكتاب المنزل الذي تضمن تفصيل كل شيء ولم تستكمل الأمة الأمية بعد دراسة الكتاب المنزل بل ستظهر معانيه ودلالاته أكثر فأكثر كلما اقتربت الساعة وليعلم الناس رأي العين أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن كما شهد به الله وهو أكبر شهادة.
الأصل الأول: خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة
إن إبليس كان من الجن وكان له ذرية كما في قوله ? إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ? الكهف 50.
ولم يكن إبليس من الملائكة المخاطبين بقوله:
? ? وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ? الكهف 50 الإسراء 61 البقرة 34
? ? ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ? الأعراف 11
? ? وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ? ص 71 ـ 72
? ? وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ? الحجر 28 ـ 29
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون من غيراستثناء كما في قوله:
? ? فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ? ص 73 ـ 74
? ? فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ? الحجر 30 ـ 31
? ? فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ? البقرة 34
? ? فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ? الأعراف 11
? ? فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ? الكهف 50
¥