ويعني أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة كما لم يتضمن تفصيل الكتاب مثل قولنا إلا إبليس كان من الملائكة ففسق عن الطاعة، وانقطع إبليس من المستثنى منه فنصب إذ لم يكن من الملائكة وإنما كان من الجن وكان من الكافرين ولم يكن من الساجدين.
أما الملائكة فلا ذرية لهم ولم يكفروا لحظة واحدة بل كانوا من الساجدين والراكعين.
وأبى إبليس واستكبر أن يكون مع الساجدين وهم أعم من الملائكة كما في قوله
? ? قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين ? الحجر 32
? ? قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين ? ص 75
? ? قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ? الأعراف 12
وهو المشكل الذي لم يفقهه التراث الإسلامي إذ حسبوا أن إبليس كان يعبد الله مع الملائكة قبل أمرهم بالسجود لآدم فشمله الأمر وحسبوا أنه كان بينهم في السماوات العلى فخالفوا صريح القرآن الذي وصف إبليس بأنه كان من الكافرين ولم يكن من الساجدين وهيهات أن يكون مع الملائكة المقربين في الملإ الأعلى كافر لم يسجد لله من قبل.
ومن زعم أن وصف إبليس بأنه كان من الكافرين إنما يعني بعد أمره بالسجود لآدم لا قبله فليتأمل قوله ? وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ? النمل 43 ولا يخفى وصف ملكة سبإ به قبل مجيئها إلى سليمان وأنها رغم ما أوتيت من العقل والفطنة وبعد النظر والتأمل فقد عبدت الشمس من دون الله لأنها كانت من قوم كافرين فأثر فيها ما حولها من الناس وما تلقته من التصورات والسلوك الذي لم تستطع تجاوزه ولا ثورة عليه بل فرض عليها التقليد وتعطيل السمع والبصر والتأمل والتفكر.
ولقد أنكر الله على إبليس ألا يكون مع الساجدين لآدم وأن لا يسجد إذ أمره مما يعني دخول من دون الملائكة من المخلوات في أمر الملائكة بالسجود فسجد الساجدون وهم أعم من الملائكة وشذ غير الساجد وهو إبليس وحده الذي فسق عن أمر ربه.
وهكذا تضمن تفصيل الكتاب المنزل أصلا من أصول الخطاب والتكليف وهو ما يسمى لدى التراث الإسلامي بأصول الفقه، وكان أمر الملائكة بالسجود لآدم يشمل معهم من دونهم من المخلوقات يومئذ فسجد الملائكة كلهم أجمعون وسجد بسجود الملائكة الساجدون غير الملائكة وشذ إبليس وحده، ويعني أن خطاب الأعلى يشمل من دونه.
فوا عجبا للفقهاء ـ عبر التاريخ الإسلامي ـ لم يفقهوا هذا وفقهه جميع المخلوقات من الدواب والطير يومئذ وهم أمم أمثال بني آدم كما في قوله ? وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ? الأنعام 38 وكانوا يومئذ من الساجدين إذ فقهوا أن خطاب وتكليف الأعلى يشمل من دونه.
وللمزيد من البيان والتفصيل فإن تفصيل الكتاب قد تضمن ترتيب المخلوقات كالتالي:
1. الملائكة والنبيون.
2. الذين آمنوا وهم صحابة النبي والرسول خاصة وكما بينت في مدلول الإيمان في أصول التفسير.
3. المؤمنون وهم الأجيال اللاحقة بعد الصحابة من المؤمنين في أمة النبي.
4. الناس.
ولخطاب بني آدم دلالة أخرى بيّنتها في أصول التفسير عند بيان من نبوة جميع النبيين.
أما الملائكة والنبيون فهم أفضل المخلوقات كما هي دلالة قوله ? ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ? عمران 80 وهو صريح في كفر من اتخذ الملائكة والنبيين وهم أفضل المخوقات أربابا من دون الله فمن دونهم من المخلوقات أحرى أن لا يتخذ ربا من دون الله، إذ لم يأذن الله باتخاذ أفضل مخلوقاته شركاء معه أو من دونه فمن دونهم من الناس ومن الكواكب والأصنام حري أن لا يتخذ وليا ولا شريكا من دون الله الواحد القهار.
وإن الخطاب المنزل من عند الله أي التكاليف التي كلف بها العباد لقسمان:
1. أمر امتثال كالإيمان وإقام الصلاة والصوم والحج والبر وفعل الخير.
2. وأمر اجتناب ونهي كترك الشرك والكذب وقتل النفس التي حرم الله والزنا وشرب الخمر.
¥