وإن تعدية الإيمان بالباء لتعني تعلقه بغيب يوم وقع الإيمان من المؤمن كما بينت مدلول الإيمان في أصول التفسير، ولقد وصف الله حملة العرش والملائكة المقربين بالإيمان كما في قوله ? الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ? غافر 7 يعني أنهم يؤمنون به ولم يروه بعد وهم أفضل المخلوقات وسعهم الإيمان بالله وهو من الغيب في الدنيا ووسع كذلك سائر الملائكة وجميع النبيين والرسل الإيمان به ولم يروه في الدنيا كما هي دلالة قوله ? لا تدركه الأبصار ? الأنعام 103 وقوله ? قال لن تراني ? الأعراف 143 ودلّ إيمانهم بالله على صحة الحديث النبوي " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وأن لن يقبل ممن دونهم من الناس وسائر المخلوقات إلا الإيمان بالله في الدنيا.
ولم يقبل رب العالمين من الملائكة أن يشركوا به كما في قوله ? ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ? الأنبياء 29 ولم يقبل رب العالمين من النبيين أن يشركوا به كما في قوله ? وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ? المائدة 116 وقوله ? لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ? النساء 172 ويعني أن من دونهم إن لم يسعه ما وسع الملائكة والنبيين سيكون من الظالمين وسيجزى جهنم وسيعذب عذابا أليما.
ولم يقبل من النبيين الشرك كما في قوله ? ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ? الزمر 65 وقوله ? ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ? الأنعام 87 ـ 88 ويعني أن النبيين المعدودين في سورة الأنعام وسائر الذين اجتباهم ربهم وهداهم بهداه إلى صراط مستقيم فصاروا أفضل العالمين لم يقبل منهم الشرك ولو أشركوا لحبط عملهم أي لم يقبل منهم دعاء ولا صلاة ولا صيام ولا طاعة ولكانوا من الخاسرين المعذبين المخلدين في النار، وهكذا من دونهم لن يقبل منهم الشرك كائنا من كانوا.
إن أكبر الفرائض وأوجب الواجبات هو ما كلف بامتثاله:
1. الملائكة والنبيون
2. ثم ما كلف به النبي أي سنته ويأتي تفصيله
3. ثم ما كلف به الذين آمنوا
4. ثم ما كلف به المؤمنون
5. ثم ما كلف به الناس.
فلعلها والله أعلم هي أقسام التكليف الشرعي في الكتاب المنزل سواء كانت أمر امتثال أو اجتناب.
وهكذا كان الإيمان هو أكبر الفرائض والواجبات إذ قد كلف به:
1. الملائكة والنبيون فأما الملائكة فلقوله ? الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ? غافر 7 وهو صريح في أن الإيمان عمل من عملهم كالتسبيح والاستغفار للذين آمنوا، وإنما يعمل الملائكة ما يؤمرون به كما في قوله ? لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ? الأنبياء 27، وأما النبيون فكما في قوله ? وأمرت أن أكون من المؤمنين ? يونس 104 في خطاب النبي الأمي ? وقوله ? وأمرت أن أكون من المسلمين ? يونس 72 في خطاب نوح
2. وكلف به من دونهم رتبة وهم الذين آمنوا كما في قوله ? يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ? النساء 136
3. وكلف به المؤمنون كما في قوله ? والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ? النساء 162
4. وكلف به الناس كما في قوله ? يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق بالحق من ربكم فئامنوا خيرا لكم ? النساء 170
وكان الأمر بإقام الصلاة بعد مرتبة الإيمان إذ قد كلف به النبيون وكلف به من دونهم وهم الذين آمنوا والمؤمنون.
أما النبيون فكما في قوله:
• ? إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ? طه 14
• ? وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ? يونس 87
• ? فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ? آل عمران 29
• ? وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ? مريم 32
• ? فصل لربك وانحر ? الكوثر 2
• ? اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ? العنكبوت 45
• ? وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ? النساء 102
وأما الذين آمنوا فكما في قوله:
¥