هذا من جهة اتهامي بعدم الاستشهاد بالقرآن والسنة.
(ملاحظة: أرجو قبل استكمال الحديث ألا يتهم موضوعي الحالي بأنه هو أيضا خال من الاستشهاد بالقرآن والسنة).
2 - أما من جهة عبارتي المقصودة، فيبدو أن الأخ لم يفهم مرادي، أو تسرع في قراءة عبارتي رغم قصرها الشديد. وقد عدت لما كتبته متهما نفسي بالعجز عن البيان، باحثا عما يمكن أن يكون سببا في سوء فهم المعنى الذي قصدته. وأعترف أنني لم أجد أي سبب لذلك، سوى أن الأخ لم ينتقد عبارتي كرأي مستقل بذاته، وإنما كتب رده مستحضرا جملة ما قرأه من كتاباتي في المنتدى.
وهذا يعني أن رده لم يكن ردا علميا على عبارتي لوحدها، وإنما كان كان ردا انطباعيا، بمعنى أنه تأثر بالانطباع السلبي الذي تولد لديه عني، فجاء تعقيبه الأخير متأثرا بهذا الانطباع السلبي.
وفي تقديري أن هذا خطأ يقع فيه عدد كبير من المسلمين.
والموضوعية في النقد والحكم تقتضي أمرين يؤديان حتما إلى العدل والدقة، كما يأمر به القرآن والسنة:
- أولهما: أن الأصل هو عزل أفكار الرجل وأقواله، بعضها عن بعض، فلا نحكم على قول له بالخطأ أو الصواب بناء على حكمنا على قول سابق له آخر، سواء كان صائبا أو مخطئا. إلا إذا كانت الأقوال مترابطة أو متعلقة بعضها ببعض. ففي هذه الحالة يمكن تأليف الحكم المشترك بالقدر الذي لا يخرج عن مقياس العدل، لأن العدل والدقة يقتضيان حتى في هذه الحالة أن نميز بين جزئيات القولين لعل بينهما فروقا خفية تجعل منهما قولين مستقلين في حقيقتهما، وإن أوحى ظاهرهما بالاشتراك.
- ثانيهما: أن الأصل هو الفصل بين نقد الأفكار والأقوال ونقد الأشخاص. فالموقف (أو الانطباع) من القول الراهن يجب ألا يكون متأثرا بالموقف (أو الانطباع) المسبق من الشخص، وإلا كان الأمر أدعى للخطأ في تقويم الأقوال الراهنة.
أما عبارتي المقصودة التي انتقدها الأخ فقد قلت ما يلي، معبرا عن فكرتين:
(الله المستعان على ما يصفون.
ليس كل ما يقال يؤخذ على محمل الجد. ومنذ متى وافق أصحاب ديانة على تغيير معتقداتهم نزولا عند رغبة آخرين؟ إلا إذا كانوا مستهينين بدينهم.
وهذا لا ينفي مسئولية علمائنا في مزيد الجهد لبيان معاني الوحي بالشكل الصحيح الذي ينفي عنه الانحرافات في الفهم والتطبيق، وهي واقع من العدل أن نعترف به).
وقد كان الشق الأول من كلامي معبرا عن نقد مباشر لكلام بابا الفاتيكان. وعبارة (الله المستعان على ما يصفون) متوجهة إلى كلامه.
والجملة الثانية ((ليس كل ما يقال يؤخذ على محمل الجد. ومنذ متى وافق أصحاب ديانة على تغيير معتقداتهم نزولا عند رغبة آخرين؟ إلا إذا كانوا مستهينين بدينهم.)) كانت دعوة لإخواني الذين سبقوني بالتعقيب لعدم الاكتراث كثيرا لكلام البابا، لما لمسته في كلامهم من ردة فعل أعطت أهمية كبيرة لقول البابا. فأردت التقليل من قيمة كلام البابا لأنه في النهاية لن يجد أي صدى، نظرا لأن المسلم عموما لا يغير معتقداته بمجرد أن طلب منه غير المسلم أن يتخلى عنها، ولم يحصل في عرف أهل الأديان أن يقوموا بتغيير معتقداتهم بناء على رغبات مخالفيهم.
أما الشق الثاني من عبارتي، فقد كان تنبيها إلى ضرورة بذل العلماء لمزيد من الجهد في بيان معاني الوحي بالشكل الصحيح الذي ينفي عنه الانحرافات في الفهم والتطبيق.
ومن الطبيعي أن أدعو إلى هذا، ودعوتي هذه ليس لها علاقة بكلام البابا، وليست تبريرا له ولا مجاراة له. وإنما لأن المقام استدعى في نظري أن ألفت الانتباه إلى أن مفهوم (الجهاد) وكيفية تنزيله وممارسته على أرض الواقع التبس على المسلمين، فتعددت فيه الآراء والمواقف، كما نراه بين العلماء لأنفسهم، فضلا عما نراه لدى عموم المسلمين.
أفلا تكون دعوتي، حينئذ، أمرا مشروعا، بقطع النظر عن أي مفهوم للجهاد أتحدث؟
3 - أما عن اتهامي بأنني (أحكّم العواطف في تصرفاتي وأفعالي)، فليت الأخ يعلمني كيف أميز بين العقل والعواطف في كلامي، فقد اختلط الأمر علي، لأنني كثيرا ما يلام عليّ في محيطي تغليب العقل على عواطفي.
وليت زوجتي تسمع بهذا الاتهام (الذي يسدي لي معروفا بين يديها لو علمت به) حتى لا تلومني بتغليبي للعقل عند الحديث والحوار معها ومع غيرها:) (أقوله للدعابة).
ولكن حتى يكون الأمر جادا: من أخطاء المسلم تغليب العاطفة على العقل وأيضا من أخطائه تغليب العقل على العاطفة. والتوازن بينهما فريضة دينية حسب فهمي للأخلاق الإسلامية. ولا أرى حاجة للتذكير بنصوص من القرآن والسنة، أو من سيرة النبي (ص) أو من سيرة أصحابه لأدلل على هذا.
ورغم هذا كله: أدعو الأخ المجلسي إلى مراجعة جميع مداخلاتي في المنتدى كي يكون عادلا في الحكم بأنني أحكم عواطفي أو أنني أحكم عقلي. ولو رغب في القيام بعملية إحصائية دقيقة، فله ذلك. وإذا تبين لي صحة كلامه وخطئي فسأعترف له بالجميل على النصح.
وفي النفس كلام آخر لا أجد رغبة في ذكره الآن.
¥