تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" لقد اشتهر في العقود الأخيرة في عدد من البلاد العربية والإسلامية: تكوين جماعات إسلامية الوجهة، أطلقت على نفسها (جماعة الجهاد). ويعنون بالجهاد ـ أول ما يعنون ـ جهاد السلطات والحكومات الظالمة، التي تحكم بلاد المسلمين، ولا تقيم شرع الله، الذي فرض الله على الأمة أن تحتكم إليه في شئونها كلها: الدينية كالعبادات، والدنيوية كالمعاملات. وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة: 183) قال في نفس السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 178) فتنفيذ القصاص كتنفيذ الصيام، كلاهما فرض فرضه الله على المؤمنين.

وكما قال تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المائدة: 6). قال في نفس السورة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38) فلماذا نأخذ بآية الطهارة، ونجمّد آية حد السرقة؟ وكلتاهما أمر من الله جل وعلا؟.

قامت جماعات الجهاد في مصر وفي الجزائر وفي غيرهما، لمقاومة الحكام الجائرين، بل الكافرين في نظرهم، بعد أن فشل منطق الوعظ والإرشاد مع هؤلاء، ولم يعد يجدي معهم غير القوة التي يستخدمونها بعنف وقسوة ضد خصومهم. قالوا: ولو كان الحوار مع هؤلاء الحكام يجدي لحاورناهم، ولكن هيهات لا يقاوم السيف بالقلم، ولا السنان باللسان!.

كيف نواجه جماعات العنف في ديارنا؟

لقد بحث الكثيرون في (ظاهرة العنف) واجتهد من اجتهد في تشخيص الداء، وفي وصف الدواء.

وقد تبين من الدراسات الجادة: أن العنف ليس ظاهرة إسلامية، بل هو ظاهرة عالمية. وجد في أمريكا ذاتها، ووجد في أوربا (في بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا) ووجد في آسيا (في الهند واليابان) ووجد في إسرائيل نفسها، كما وجد في بلاد إسلامية شتى.

والذي يهمنا هنا هو علاج العنف في داخل بلادنا العربية والإسلامية: وذلك بالنظر بعمق إلى الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة، ومنها: الظلم الواقع على بلادنا من القوى العظمى، وأجلى ما يتمثل: في قضية فلسطين، قضية الشعب الذي اغتصبت أرضه، وأخرج من دياره، وشتت في الآفاق، وفرض عليه كيان دخيل مغتصب، وحتى حين أرغمته الظروف الإقليمية والدولية على الاعتراف بهذا الكيان الظالم، احتل ما بقي من أرضه في الضفة والقطاع، وغدا يتحكم في رقبته، في مأكله ومشربه، في مائه وهوائه، في حركته وانتقاله، ويحاصره ويجوعه، ويضرب شعبه بالطائرات من فوق، والدبابات والمجنزرات من تحت. وأمسينا نشاهد بأعيننا من خلال الشاشات: مئات المنازل تدمر بما فيها من متاع وأثاث وأسباب للحياة، ويترك أهلوها في العراء، حقيقة لا مجازا. والعالم يتفرج على هذه المهزلة أو المأساة، ومجلس الأمن لا يحرك ساكنا، والعرب صامتون صمت القبور، والحكام ـ مع هذا كله ـ على صلة وثيقة بأمريكا التي هي وراء هذا كله. فهو يتم بإذنها ورضاها وعونها ومشاركتها الإستراتيجية. وهناك مظالم أخرى تراها كل عين في أفغانستان وفي العراق.

ومن أسباب العنف: ما يقوم به الحكام في ديارنا العربية والإسلامية من مظالم وانحراف عن النهج القويم الذي يحقق رضا الله تعالى بتطبيق شرعه، وإقامة عدله في الأرض، وإحلال حلاله وتحريم حرامه، ويحقق آمال الشعوب في حياة الحرية والكرامة، ورعاية الحقوق، وتوفير العيش الكريم الذي يليق بالإنسان المستخلف في الأرض.

كل هذا من أسباب العنف التي لا يرتاب فيها، ولكنا لا نراها كل الأسباب، ولا أهم الأسباب، كما يرى بعض الدارسين.

فإن الذي يتعمق في واقع هذه الجماعات الإسلامية التي اتخذت العنف سبيلا لها: يجد بوضوح: أن وراءها أسبابا فكرية ـ هي الأكبر تأثيرا ـ هي التي دفعت هؤلاء الشباب اليوم إلى ما اندفع إليه أسلافهم من قبل من الخوارج، الذين عُرِفوا بأنهم كانوا صوّاما قوّاما قرّاء للقرآن، ومع هذا استحلّوا دماء المسلمين من غيرهم، إذ كانت آفتهم في عقولهم وأفهامهم، وليست في ضمائرهم ونياتهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير