تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هناك خلل فكري في رؤيتهم للدين، ورؤيتهم للناس، ورؤيتهم للحياة. والخلل الفكري لا يواجه بالسجون والتعذيب والتنكيل، فإن هذا قد لا يزيدهم إلا تشددا وتعصبا لأفكارهم.

أجل، المواجهة الأمنية لا تكفي هنا، بل لا بد من مواجهة فكرية علمية معهم، يقوم بها رجال ثقات في علمهم، ثقات في دينهم، غير متهمين بأنهم من علماء السلطة، أو عملاء الشرطة.

وقد بعث سيدنا علي رضي الله عنه إلى الخوارج الذين ثاروا عليه: سيدنا عبد الله بن عباس، حبر الأمة، وترجمان القرآن، ليحاجهم ويحاورهم، وما زال يحاورهم ويجادلهم بالحجة والإقناع، حتى رجع منهم عدة آلاف، وبقي بعضهم مصرين على باطلهم.

وهذا ما ينبغي أن نفعله مع هذه الجماعات التي ارتكبت ما ارتكبت في مصر والجزائر والمملكة السعودية والمغرب وغيرها. وأن نصبر على محاجتهم، ونطيل الوقوف معهم، لنعذر إلى الله، ونقيم الحجة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة.

مناقشة فقه جماعات العنف

لا بد أن نعرف: أن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات، التي تنسب للإسلام، إنما هو إفراز لفلسفة معينة، تتبناها هذه الجماعات، وثمرة لفقه خاص له وجهته ومفاهيمه وأدلته، التي تستند إليها هذه الفئة من الناس.

ومن نظر إلى جماعات العنف، القائمة اليوم في عالمنا العربي (مثلا: جماعة الجهاد .. الجماعة الإسلامية .. السلفية الجهادية .. جماعة أنصار الإسلام .. تنظيم القاعدة): وجد لها فلسفتها ووجهة نظرها، وفقهها الذي تدعيه لنفسها، وتسنده بالأدلة من القرآن والسنة، ومن أقوال بعض العلماء، ومن الواجب: أن نناقش فقههم هذا ونرد عليه [29].

صحيح: أنها كثيرا ما تعتمد على المتشابهات وتدع المحكمات، وتستند إلى الجزئيات وتهمل الكليات، وتتمسك بالظواهر وتغفل المقاصد، كما تغفل ما يعارض هذه الظواهر من نصوص وقواعد، وكثيرا ما تضع الأدلة في غير موضعها، وتخرجها عن سياقها وإطارها، ولكن ـ على أي حال ـ: لها فقه مزعوم يبرر العنف، ويستند إلى التراث، ويروج لدى بعض الأغرار من الشباب، والسطحيين من الناس، الذين يقفون عند السطوح، ولا يغوصون في الأعماق، أساسه فقه الخوارج قديما، الذين كانوا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.

مبررات العنف الداخلي

بدأت هذه الجماعات: العنف في داخل أوطانها أنفسها، أي العنف ضد الأنظمة الحاكمة.

فعلى أي أساس بررت ذلك وأجازته: من الوجهة الشرعية، في نظرها على الأقل؟

تكفير الحكومات القائمة

إن فقه جماعات العنف، يقوم على أن الحكومات المعاصرة: حكومات غير شرعية، بل هي ـ بصريح العبارة ـ حكومات كافرة؛ لأنها لم تحكم بما أنزل الله، واستبدلت بشريعته المنزلة من الخالق: القوانين التي وضعها المخلوق، وبهذا: وجب الحكم عليها بالكفر والردة، والخروج من الملة، ووجب قتالها حتى تدع السلطة لغيرها. إذ كفرت كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان.

ويؤكد فقه هذه الجماعات: عدم شرعية هذه الحكومات، أو كفر هذه الأنظمة الحاكمة بأمر آخر، وهي: أنها توالي أعداء الله من الكفار، الذين يكيدون للمسلمين، وتعادي أولياء الله من دعاة الإسلام، الذين ينادون بتحكيم شرع الله تعالى، وتضطهدهم وتؤذيهم. والله تعالى يقول: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51).

ومن دلائل ذلك عند هذه الجماعات: أن هذه الأنظمة فرطت في الدفاع عن المسجد الأقصى، وأرض الإسراء والمعراج، بل بعضها وضع يده في يد الدولة الصهيونية، واعترف بها، وبعض آخر سار في ركاب الأمريكان حماة إسرائيل، وأطلقوا لهم العنان، ليصرفوا أمورهم، ويغيروا مناهجهم، قصدا إلى تغيير ثقافتهم وتفكيرهم، وبذلك يغيرون هويتهم الإسلامية، وشخصيتهم التاريخية!.

والحكومات المعاصرة: تدافع عن نفسها، وتعارض هذه التهم بدعاوى مختلفة، منها: أنها تعلن أن دينها الرسمي هو الإسلام، وأنهم ينشئون المساجد لإقامة الصلاة، ويعينون الأئمة والخطباء والمؤذنين، ويؤسسون المعاهد الدينية، والكليات الشرعية، ويوظفون الوعاظ ومدرسي الدين في المدارس وغيرها، ويحتفلون برمضان وعيدي الفطر والأضحى، ويذيعون تلاوة القرآن في الإذاعات والتلفازات، إلى غير ذلك: من المظاهر الدينية، التي تثبت إسلامية الدولة بوجه من الوجوه. التي خلاصتها: أنها تؤمن بالإسلام عقيدة لا شريعة، وعبادة لا معاملة، أو تؤمن ببعض الكتاب وتكفر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير