ببعض.
كما أن بعض دساتير هذه البلاد يعلن: أن الشريعة مصدر رئيس، أو المصدر الرئيس للتقنين. وبعضها: يعتذر عن عدم تحكيم الشريعة بضعفه أمام قوى الضغط الغربي، وبعضها يقول: تطبيق الشريعة لا يتم دفعة واحدة، وإنما يحتاج إلى التدرج!.
وبعضهم يقول: نحن لا نوالي الأمريكان، ولكن نداريهم، لأننا أضعف من أن نقاومهم، فنحن نعاملهم بقوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران: 28).
وبعضهم ... وبعضهم ... يلجأ إلى أعذار شتى يتعلل بها، جلها ليس مقنعا، ولكن تسقط عنهم تهمة (الكفر البواح).
فتوى ابن تيمية
كما تعتمد جماعات العنف: على فتوى الإمام ابن تيمية ـ في قتال كل فئة تمتنع عن أداء شريعة ظاهرة متواترة من شرائع الإسلام ـ كالصلاة أو الزكاة، أو الحكم بما أنزل الله: في الدماء والأموال والأعراض، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى آخره. وهو ما اعتمد عليه كتاب (الفريضة الغائبة) لجماعة الجهاد، وجعل هذه الفتوى: الأساس النظري لقيام جماعته، وتسويغ أعمالها كلها.
ويستدلون هنا: بقتال أبي بكر ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم، لمانعي الزكاة.
فكيف بمن يمتنعون عن تطبيق أكثر أحكام الشريعة، برغم مطالبة جماهير الناس بها، بل هم أشد الناس خصومة لهؤلاء، وتضييقا عليهم، ومعاداة لهم؟!.
ونسي هؤلاء، أن الذي يقاتل هذه الفئة الممتنعة: ولي الأمر، كما فعل سيدنا أبو بكر، وليس عموم الناس، وإلا أصبح الأمر فوضى!.
حكومات مفروضة على الأمة قسرا
وتعتمد جماعات العنف أيضا: على أن هذه الأنظمة غير شرعية، لأنها لم تقم على أساس شرعي من اختيار جماهير الناس لها، أو اختيار أهل الحل والعقد، وبيعة عموم الناس، فهي تفتقد الرضا العام، الذي هو أساس الشرعية، وإنما قامت على أسنة الرماح بالتغلب والسيف والعنف. وما قام بقوة السيف: يجب أن يقاوم بسيف القوة، ولا يمكن أن يقاوم بسيف القلم!
ونسي هؤلاء ما قاله فقهاؤنا من قديم: أن التغلب هو إحدى طرائق الوصول إلى السلطة، إذا استقرّ له الوضع، ودان له الناس.
وهذا ما فعله عبد الملك بن مروان، بعد انتصاره على ابن الزبير رضي الله عنه، وقد أقره الناس، ومنهم بعض الصحابة: مثل ابن عمر وأنس وغيرهما، حقنا للدماء، ومنعا للفتنة، وقد قيل: سلطان غشوم، خير من فتنة تدوم.
وهذا من واقعية الفقه الإسلامي، ورعايته لتغير الظروف، وحرصه على حقن الدماء، وسد أبواب الفتن، التي إذا فتحت قلما تسد، فهو يقبل أهون الشرين، وأخف الضررين، عملا بفقه الموازنات.
حكومات تقر المنكر وتحل ما حرم الله
وترى جماعات العنف كذلك: أن هذه المنكرات الظاهرة السافرة ـ التي تبيحها هذه الحكومات ـ: من الخمر، والميسر، والزنى، والخلاعة والمجون، والربا، وسائر المحظورات الشرعية: يجب أن تغير بالقوة لمن يملك القوة، وهي ترى أنها تملكها، فلا يسقط الوجوب عنها إلى التغيير باللسان بدل اليد، كما في الحديث الشهير: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه". [30]
ويغفل هؤلاء: الضوابط والشروط اللازمة لتغيير المنكر بالقوة، التي قررها العلماء. وقد بيناها في بعض كتبنا. [31]
وبعض هذه الجماعات تنظر إلى المجتمع كله: أنه يأخذ حكم هذه الأنظمة التي والاها ورضي بها، وسكت عنها، ولم يحكم بكفرها، والقاعدة التي يزعمونها: أن من لم يكفّر الكافر: فهو كافر!.
وبهذا توسعوا وغلوا في (التكفير)، وكفّروا الناس بالجملة.
وعلى هذا: لا يبالون من يُقتل من هؤلاء المدنيين، الذين لا ناقة لهم في الحكومة ولا جمل: لأنهم كفروا فحلت دماؤهم وأموالهم!.
كما يرون بالنظر إلى الأقليات غير المسلمة: أنهم نقضوا العهد، بعدم أدائهم للجزية، وبتأييدهم لأولئك الحكام المرتدين، وأنظمتهم الوضعية، ولرفضهم للشريعة الإسلامية. و بهذا لم يعد لهم في أعناق المسلمين عهد ولا ذمة، وحل دمهم ومالهم. وبهذا استحلوا سرقة محلات الذهب: من الأقباط في مصر، كما استحلوا سرقة بعض المسلمين أيضا.
¥