تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إني لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا

حسن النية لا يبرر الأعمال الطائشة

ولقد حذر رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم من الأعمال الطائشة، والتصرفات الرعناء، التي قد يقوم بها بعض الناس الطيبين، بنوايا حسنة، وبواعث نبيلة، دون أن ينظروا في مآلاتها، ويفكروا في وخيم عواقبها، وذلك لقصر نظرهم، وضيق أفقهم، فما لم يتنبه المجتمع لهم، ويأخذ على أيديهم، ويمنعهم من الاستمرار في تفكيرهم الأخرق، فإنهم سيودون بالمجتمع كله، وينتهي بهم طيشهم ـ مع حسن نيتهم ـ إلى هلاكهم وهلاك الجماعة كلها معهم.

ولذا حذر الرسول الكريم الجماعة ـ ممثلة في أهل البصيرة وأولي العلم والحكمة ـ أن تتيقظ لهم، وتأخذ على أيديهم، تمنعهم من تنفيذ ما فكروا فيه، وعقدوا عليه العزم، حفظا لوجود الجماعة كلها، وحرصا على حياتها وحياتهم معها.

وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا حيا رائعا ناطقا، هو مثل ركاب السفينة الواحدة التي تتكون من طابقين أو أكثر، وبعض الناس في أعلاها، وبعضهم في أسفلها. فلو أراد ركاب الطابق الأسفل أن يخرقوا في نصيبهم خرقا، ليستقوا منه الماء مباشرة من النهر أو البحر، بدعوى أنهم يخرقون في نصيبهم وهم أحرار فيه، وأنهم لا يريدون أن يؤذوا من فوقهم بكثرة المرور عليهم بين حين وآخر.

وليس أفضل من أن نقرأ هذا الحديث النبوي الرائع بصيغته كاملا، كما جاء في صحيح البخاري:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا". [34]

إن الحديث يبين لنا المسئولية التضامنية المشتركة للأمة، وأنها لا يجوز لها أن تدع بعض أبنائها يتسببون في غرقها بجهلهم وسوء تصرفهم، وإن كانوا مخلصين، فالإخلاص لا يكفي وحده، ولكن لا بد من تحري الصواب مع الإخلاص.

مناقشة جماعات العنف في شرعيته وجدواه

ينبغي على أهل العلم والفكر، وأهل الرأي والحكمة: أن يجادلوا جماعات العنف بالتي هي أحسن، كما أمر الله تعالى، وأن يناقشوهم، أو قل: يناقشوا قادتهم وعقلاءهم بالحكمة والمنطق الهادئ، ويقنعوهم بالحجة البالغة، في أمرين مهمين:

أحدهما: مدى شرعية العنف بالصورة التي يمارسونها، ويشهدها الناس، وأنها لا تستند إلى محكمات الشرع لا في نصوصه البينة، ولا في مقاصده الكلية.

والثاني: مدى جدوى هذا العنف، لو افترضنا شرعيته: هل غير وضعا فاسدا؟ أو أقام حكما عادلا؟ أو حقق هدفا من الأهداف الكبرى للأمة؟.

لقد أعلنت جماعات (الجهاد) ومن في حكمها، مثل: جماعة التكفير، والجماعة الإسلامية، والسلفية الجهادية، انتهاء بـ (تنظيم القاعدة): الحرب على الحكومات القائمة، واختارت أسلوب الصدام المسلح، ولم تكتف بالبيان والبلاغ، أو التربية والتوجيه، أو أسلوب التغيير السلمي بالكفاح الشعبي في الجامعات والنقابات، والمساجد، والكفاح السياسي بدخول حلبة الانتخابات، ودخول البرلمانات، لمقاومة التشريعات المخالفة للإسلام، أو لحريات الشعب ومصالحه.

ولما كانت هذه الجماعات لا تملك القوة العسكرية المكافئة أو المقاربة لقوة الحكومات، فقد اتخذت أساليب في المصادمة تتفق مع إمكاناتها.

منها: أسلوب الاغتيال.

ومنها: أسلوب التخريب للمنشآت الحكومية.

وهذان الأسلوبان، يصحبهما ـ في الغالب ـ إصابة مدنيين برآء، ليس لهم في الثور ولا في الطحين، كما يقول المثل، ففيهم أطفال ونساء وشيوخ، وكثيرا ما ينجو المقصود بالاغتيال، في حين يقتل عدد من المدنيين غير المقصودين.

ومعلوم أن قتل من لا يقاتل في الحرب بين المسلمين والكفار لا يجوز، فكيف يقتل المسلمين؟ وفي الحديث: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق". [35]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير