وكنت أظن فيما سبق أن المشاركين في تلك المؤتمرات إنما يشاركون درءاً لمفسدة الخلاف وامتثالاً لرغبة ولي الأمر ومبالغة في استقصاء إقامة الحجة، هذا مقصد شريف يُعذر له صاحبه ..
لكني لم أتوقع أن يصل الأمر بكثير منهم إلى قناعات بل وتأصيل لهذه القناعات بل ومهاجمة المخالفين ورميهم بألفاظ لا يجرؤ الواحد من هؤلاء أن يتلفظ بها للمخالفين الذين يكدّ ويكدح للحوار معهم .. فيا لله العجب!
ومن هذا القبيل مقال قرأته للشيخ لدكتور حاتم الشريف وفقه الله ..
فقد كتب مقالاً نشر في موقع (الإسلام اليوم) وهو موقع يرعى مثل هذه التوجهات ويؤصل لها وينافح عنها والشيء من معدنه لا يُستغرب.
وفي مقال الدكتور على قصره مغالطات سأتوقف عندها متأسفاً متألماً لما صدر عنه، نصرة للحق والله ودفعاً عن حياض أهل العلم الذين ينكرون ويستنكرون كثيراً مما تهدف له هذه المؤتمرات .. والله أسأل أن يهديني والدكتور وجميع المسلمين للصواب من القول والعمل ..
يقول الدكتور: (لا يختلف اثنان في أن الحوار هو أسلوب التواصل الأمثل مع الموافق والمخالف)
أقول: بل اختلفوا، أعني اختلف أهل السنة مع غيرهم في هذا، فأئمة السلف منذ القدم ينكرون التواصل مع المخالفين إلا تحت مظلة الدعوة وعرض الحق عليهم، وهذا منهجهم من قديم، وإمامهم في هذا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فماذا فعل عمر بصبيغ العراقي؟
عن السائب بن يزيد وسليمان بن يسار: أنّ رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل، قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل فقال: اللهم أمكِنّي منه، فبينا عمر ذات يوم يغدّي الناس، إذ جاءه رجل عليه ثياب وعمامة، فتغدى حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين: {والذاريات ذروا}، فقال عمر: أنت هو؟، فقام إليه فحسَر عن ذِرَاعيه، فلم يزل يجلِده حتّى سقطت عمامته، (في رواية:، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه)، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي، فقال: والّذي نفس عمر بيده، لو وجدتك محلوقاَ، لضربت رأسك، ألبِسوه ثيابَه، واحتَمِلوه على قتَب، ثمّ أخرِجوه حتّى تقدُموا بهِ بِلاده، ثم ليقُم: خطيباً، ثم ليقُل: إنّ صبيغاً طلبَ العلمَ فأخطأه «، فلم يزل وَضِيعاً في قومِه حتّى هلَك، وكان سيّد قومه «.
مع أنّ صبيغاً لم يخالف وإنما أراد فتح باب للخلاف، فقمعه عمر بالسوط حتى أدمى ظهره.
جاء في السنة للخلال على لسان بعض أئمة السلف:» وليس ينبغي لأهل العلم والمعرفة بالله أن يكونوا كلما تكلم جاهل بجهله أن يجيبوه ويحاجوه ويناظروه فيشركوه في مأثمة ويخوضوا معه في بحر خطاياه ولو شاء عمر ابن الخطاب أن يناظر صبيغ ويجمع له أصحاب رسول الله حتى يناظروه ويحاجوه ويبينوا عليه لفعل ولكنه قمع جهله وأوجع ضربه ونفاه في جلده وتركه يتغصّص بريقه وينقطع قلبه حسرة بين ظهراني مطروداً منفيا مشرداً لا يكلم ولا يجالس ولا يشفا بالحجة والنظر بل تركه يختنق على حسرته ولم يبلعه ريقه ومنع الناس من كلامه ومجالسته فهكذا حكم كل من شرع في دين الله بما لم يأذن به الله أن يخبر أنه على بدعة وضلالة فيحذر منه وينهي عن كلامه ومجالسته «.
هذا مع الفرد، وأما مع الجماعة فماذا فعل علي رضي الله عنه مع الخوارج؟
هل جمع لهم علي علماء الصحابة وجلس معهم للحوار؟ الجواب: لا.
بل أرسل لهم من يناظرهم ويقيم عليهم الحجة ويستنقذ منهم من كتب الله له الهداية، ثم بعد ذلك كرّ عليهم فأباد خضراءهم.
¥