وحكَى ابنُ وضاحٍ عن غيرِ واحدٍ: «أنّ أسدَ بن موسى كتبَ إلى أسد بن الفرات: اِعلم يا أخي أنّ ما حملَني على الكَتبِ إليكَ ما أنكرَ أهلُ بلادِكَ من صالِح ما أعطاكَ اللهُ من إنصافِكَ النّاسَ، وحُسنِ حالِكَ ممّا أظهرتَ من السّنّةِ، وعيبكَ لأهلِ البِدَعِ، وكثرةِ ذكرِكَ لهم، وطعنِكَ عليهِم، فقمَعَهم اللهُ بِك، وشدّ بكَ ظهرَ أهلِ السّنّةِ، وقوّاكَ عليهِم بإظهارِ عيبِهِم، والطعنِ عليهِم، وأذلّهم اللهُ بذلكَ وصارُوا بِبِدعتِهم مستَتِرين، فأبشِرْ يا أخِي بثوابِ الله، واعتدّ بهِ من أفضلِ حسناتِك، من الصّلاةِ والصيامِ والحجِّ والجهادِ، وأينَ تقعُ هذهِ الأعمالُ من إقامةِ كتابِ اللهِ وإحياءِ سنّةِ رسولِ الله؟! .. فاغتنِم يا أخِي هذا الفضلَ وكُنْ من أهلِه، فإنّ النبيّ ? قالَ لمعاذٍ حين بعثَه إلى اليمنِ فأوصاهُ وقال: «لأن يهدِي الله بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ من كذا وكذا» وأعظمَ القولَ فيهِ، فاغتنِم ذلكَ وادعُ إلى السّنّةِ حتّى يكونَ لكَ في ذلكَ ألفةٌ وجماعةٌ يقومون مقامكَ إن حدثَ بكَ حدَثٌ، فيكونونَ أئمةً بعدكَ، فيكونُ لكَ ثوابٌ إلى يومِ القيامةِ، كما جاء الأثر، فاعمَلْ علَى بصيرةٍ، ونيّةٍ حسنةٍ، فيردّ اللهُ بكَ المبتدعَ والمفتونَ الزائغَ الحائِر، فتكونُ خلَفاً مِن نبيّكَ ?، فأَحْيِ كتابَ اللهِ وسنةَِ نبيّهِ، فإنّكَ لن تلقَى اللهَ بعملٍ يشبِهُه».
وعندما حصر الشاطبي مراتب العلاقة مع المخالفين قال:
أحدها: الإرشادُ والتّعليمُ وإقامةُ الحجّةِ، كمسألةِ ابنِ عبّاس ـ رضي الله عنه ـ، حينَ ذهبَ إلى الخوارجِ فكلّمَهم حتّى رجعَ منهُم ألفان ـ أو ثلاثة آلاف.
والثّاني: الهجرانُ وتركُ الكلامِ والسّلامِ، حسْبما تقدّم عن جملةٍ من السّلفِ في هجرانِهم لِمَن تلبّسَ بِبِدعةٍ، وما جاءَ عن عمرَ ـ رضي الله عنه ـ من قصّةِ صبيغٍ العراقيّ.
والثّالثُ: كما غرّبَ عمرُ صبيغاً، ويجري مجراه السّجنُ وهوَ:
الرّابِعُ: كما سجنُوا الحلاّجَ قبلَ قتلِه سنينَ عدِيدة.
والخامس: ذِكْرُهم بما هُم علَيه، وإشاعةُ بدعتِهم كي يُحذَروا، ولئلاّ يُغترّ بكلامِهِم، كما جاءَ عن كثيرٍ من السّلفِ في ذلِك.
السّادسُ: القتلُ إذا ناصبُوا المسلمينَ وخرَجُوا علَيهِم، كما قاتلَ عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ الخوارِجَ، وغيرُه من خلفاءِ السّنّة.
والسّابعُ: القتلُ إن لم يرجِعُوا مِن الاستتابةِ، وهوَ قد أظهرَ بدعتَه، وأمّا مَن أسرّها وكانَت كُفراً أو ما يرجِعُ إليهِ فالقتلُ بلا استتابةٍ وهوَ:
الثّامن: لأنّه من بابِ النّفاقِ كالزنادِقة.
والتّاسعُ: تكفيرُ مَن دلَّ الدّليلُ على كفرِه، كما إذا كانَت البدعةُ صريحةً في الكفرِ كالإباحيّةِ، والقائلينَ بالحلولِ كالباطنيةِ، أو كانَت المسألةُ في بابِ التكفيرِ بالمآلِ، فذهبَ المجتهدُ إلى التّكفير .. وينبني على ذلك:
الوجهُ العاشرُ: وذلكَ أنّه لا يرِثهم ورثتُهم مِن المسلمين ولا يرِثُون أحداً مِنهم، ولا يُغسَلُون إذا ماتوا، ولا يصلّونَ عليهِم ولا يُدفَنون في مقابرِ المسلمِين، ما لم يكن المستتِر، فإنّ المستتِر يُحكَمُ له بحكمِ الظّاهِرِ، وورثتُه أعرفُ بالنسبةِ إلى الميراثِ.
والحاديَ عشَر: الأمرُ بأن لا يُناكَحُوا، وهو مِن ناحيةِ الهجران، وعدمِ المواصلَةِ.
والثّاني عشَر: تجريحُهم على الجملةِ، فلا تُقبَلُ شهادتُهم ولا روايتُهم، ولا يكونونَ ولاةً ولا قضاةً، ولا يُنصّبون في مناصبِ العدالةِ من إمامةٍ أو خطابةٍ، إلاّ أنّه قد ثبتَ عن جملةٍ من السّلفِ روايةُ جماعةٍ منهم، واختلفُوا في الصّلاةِ خلفَهم من بابِ الأدَبِ ليرجِعُوا عمّا هُم علَيه.
والثّالث عشَر: تركُ عيادةِ مرضاهم، وهو مِن بابِ الزّجرِ والعقوبةِ.
والرّابع عشَر: تركُ شهودِ جنائِزهم كذلِك.
والخامسَ عشر: الضّربُ، كما ضربَ عمرُ ـ رضي الله عنه ـ صَبيغاً.
ورُوِيَ عن مالكٍ ـ رضي الله عنه ـ في القائلِ بالمخلوقِ أنه يوجَعُ ضَرباً ويُسجنَ حتّى يموت.
¥