ورأيت في بعضِ تواريخِ بَغداد عن الشّافعيِّ أنّه قالَ: حُكمِي في أصحابِ الكلامِ أن يُضرَبوا بالجرائِدِ، ويُحمَلوا على الإِبلِ، ويُطافُ بهِم في العشائِرِ والقبائِلِ، ويُقال: هذا جزاءُ من تركَ الكتابَ والسّنّةَ، وأخذَ في الكلامِ، يعني أهلَ البِدَعِ».
هذا هو موقف السلف من المخالفين فقارن بين هذا وما يدعو إليه الدكتور ..
يقول الدكتور: (وأنه ما ساد الحوار في مجتمعٍ أو أمةٍ إلا دلّ على رُقِيّها العقلي والعلمي والحضاري)
أقول: هذا فيه تعميم، فأي حوار تعني، أهو الحوار العلمي بين أهل السنة فيما يسوغ الخلاف فيه من مسائل العلم؟
أم تعني الحوار بين أهل الحل والعقد فيما يستجد في الأمة من الحوادث التي تحتاج إلى الرأي والمشورة؟
أم الحوار بين المتنازعين في أمور الدنيا بما يحقق الصلح والتراضي؟
فكل هذا طيب مشروع لم ينكره أحد.
وهو دال على ما قلته من رقي علمي وعقلي وحضاري.
أم أنك تعني إقرار حق المخالفين للسنة على تفاوت مراتبهم في المخالفة للشريعة وغض الطرف عن نقاط النزاع والحوار والكلام في المتفق عليه من أمور عامة مشتركة وما يلحق ذلك ويستلزمه – وإن تملص منه البعض – من منع الإنكار عليهم أو التحذير منهم ومن مناهجهم ومذاهبهم؟
فهذا في الحقيقة لا دلالة فيه على رقي لا عقلي ولا علمي ..
ولو كان فيه خير ورقي عقلي لكان أسبق الناس إليه والعمل به هم سلفنا الصالح والذين كان منهجهم مع المخالفين معروفاً نقلت لك بعضه فيما تقدم، فهل طريقتهم تلك كانت علامة تخلفهم العقلي والعلمي والحضاري؟!
يقول الدكتور: (لأن الحوار هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العقل، ويستعملها العلم، وتتداولها الحضارة)
أقول:ليس صحيحاً، بل كثيراً ما كان الزجر والهجر أكثر وضوحاً وتنبيهاً للعقل والضمير، وفي قصة صبيغ أنه بعد أن ضربه قال: (حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي) .. وكثيراً ما كان الهجر والعزل منبهاً للمخطئ ومعيداً له لى جادة الصواب.
الحوار يكون وسيلة حين يكون سبب المخالفة الجهل البسيط أو التأويل والغلط ممن يبحث عن الحق لأنّ سبب تبني هذا لمخالفته هو ظنها إياها الصواب .. لكن حين يكون الحوار مع طوائف تكن عداءً للسنة وأهلها منطلقاته التعصب وأتباع أديان كذلك فالحوار لن يجدي في هذه الحال إلاّ مزيداً من الضعف للحق وأهله والقوة للباطل وأهله ..
يقول الدكتور: (ولو تفكّرنا قليلا في البديل عن الحوار: ماذا يمكن أن يكون؟ لم نجد إلا التسلّط بالقوة. مع أن التسلط ليس أسلوبا للتواصل أصلاً، بل هو منهجٌ للتقاطع والتهاجر، مما لا يؤدي إلى تفاهمٍ ولا دعوةٍ ولا هدايةٍ (وهذه الثلاثة هي مفردات التواصل) فالتسلّطُ لم يكن .. ولن يكون منهجًا للإقناع العقلي، ولا لمحاولة تغيير المعتقدات الباطنة.
أقول: ومن قال إن التواصل هدف ومقصد؟
التواصل في منهج السلف هو اللقاء لبيان الحق وإحقاقه وإبطال الباطل ولأن يُقال للمسيء ما فيه من الإساءة ليعود ويستدرك .. أما غير ذلك فليس فيه إلا مفسدة نشر المخالف لمخالفته وتقريرها وتهوينها في أعين الناس.
ثم إن الدكتور غفل عن أنّ السلف راعوا في هذا الأمر مصلحة الأمة قبل الفرد، فلئن كان في هجر وزجر الفرد أو الجماعة قطعاً للصلة بهم ففيه تنبيه للأمة بخطرهم وحماية لها منهم، كالمريض الذي يُحجر عليه ويُترك يقاسي الألم وحده ليس قسوة عليه بل رحمة بمجموع الأمة أن لا تقع في ما وقع فيه بسبب تساهل العلماء في الحوار ومجالسة المخالفين وما يتبع ذلك من التبسط معهم.
يقول الدكتور: (ولا لتحسين تصوّر الآخرين عنا).
أقول: لسنا مكلفين شرعاً أن نكون غير ما نحن عليه ..
تحسين الصورة يريد به كثير من أهل الحداثة والعصرانيين وأهل البدع أن يترك أهل السنة كثيراً من دينهم ليكون مقبولاً حسناً في أعين المخالفين .. ويريد به الكفار أن نترك بعض ديننا أو كله لنكون عندهم مرضيين ..
وهذا لا يقول به من يحترم دينه وعقله ..
ويراد به أن نمتثل حقيقة السنة والإسلام النقي الصافي، وهذا حق بغض النظر قبله الآخرون أم لا.
فالواجب أن يستجيب المؤمن لله ولرسوله دون النظر لقبول الآخرين له ..
ونحن نعلم أن المخالف لن يرضى عن أهل السنة ويتقبلهم إلا أن يتركوا شطر دينهم ..
¥