الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد! فإني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين، و (يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله) إلى قوله (فاشهدوا بأنا مسلمون)
والثاني: دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقومه: عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: «يا صباحاه». قال: فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ قال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم كنتم تصدقوني؟» قالوا: نعم، أو بلى قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»
الثالث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه فقال: " إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهم ما أجابوك إليها فآقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فكف عنهم واقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، وإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن [أجابوا] فآقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ".
لا حظ وصيّته صلّى الله عليه وسلّم: (ادعهم) ولم يقل: (حاورهم) ..
يقول الدكتور: (يمكن أن تكون لنا مقاصدُ من الحوار غير الدعوة، ويمكن أن تكون مقاصدَ صحيحة مشروعة.
ومن هذه المقاصد:
- أن نَفْهَمَ المخالفين (كفارًا كانوا أو غيرَ كُفَّارٍ) فهمًا عميقًا، وأن نعرف حججهم، ومنطلقاتهم الفكرية، ورواسبهم العقدية، وتصوراتهم، وأساليب إقناعهم. فما نجح الغرب في غزونا الثقافي إلا بعد مئات السنين من الدراسات الاستشراقية، التي عرف معها كيف يؤثر فينا).
أقول: ألا يمكن هذا إلا بالحوار والجلوس معهم ..
هل تعني أنّ كل الذين ردوا على المذاهب الكفرية والمبتدعة لم يفهموها فهماً عميقاً ولم يعرفوا حججهم ومنطلقاتهم ورواسبهم؟
هل يتحدث الدكتور عن مذاهب أتت من الفضاء لم يسمع بها أحد .. أم عن مذاهب وأديان حدثت منذ قرون عدة كشفها وكشف زيفها أهل الإسلام وبينوا أصولها وباطلها حتى قيل عن شيخ الإسلام رحمه الله إنه يعرف المذاهب الباطلة أكثر مما يعرفها أهلها ..
وحتى المذاهب المعاصرة لها مراجعها التفصيلية ومصادرها التي تعطي المريد أدق التفاصيل عنها ..
وإذا كان الدكتور يستدل بغزو الغرب لنا بالدراسات الاستشراقية التي لم تنتج عن مؤتمرات حوار فما باله يقصر طريقنا لغزو الغرب وفهمه بالحوار والجلوس على مائدته.
وهذا السبب الذي ذكره الدكتور هو الذي جعل بعض العلماء يتهاون في مخالطة أهل الأهواء ومع هذا لم يسلم إذ ظنّ في نفسه من القوة والجسارة والقدرة ما يعصمه من التأثر بثقافة المخالفين ومن أشهرِ الأمثلةِ على ذلكَ ما حصلَ لابنِ عقيل، وفي قصّتهِ عبرةٌ عظيمةٌ، ولِمن لا يعرِفُه أنقلُ قولَ الذهبي في أوّلِ ترجمتِه: «الإمامُ العلاّمةُ البحرُ شيخُ الحنابلةِ أبو الوفاءِ عليُّ بنُ عقيل بنُ محمّد بنُ عقيل بنُ عبدِالله البغداديُّ الظفَريُّ الحنبليُّ المتكلِّمُ .. كانَ يتوقّدُ ذكاءً، وكانَ بحرُ معارفَ، وكنزُ فضائلَ، لم يكُن لَه في زمانِه نظيرٌ، على بدعتِه».
فقَد كانت فتنةُ ابنِ عقيلٍ حبُّه للعلومِ، ومجالَسةِ العلماءِ مِن كلِّ مذهَب، وهو أمرٌ نهىَ عنهُ السّلفُ، وقد قدّمْتُ لكَ خوفَ الأئمّةِ منهم على أنفسِهم، وهُم في مقامِ التّعليمِ، فكيفَ وهُم في مقامِ التعَلُّم؟
قالَ ابنُ كثيرٍ ـ رحِمَه اللهُ ـ: «وكانَ يجتمِعُ بجميعِ العلماءِ مِن كلِّ مذهبٍ، فربّما لامَه بعضُ أصحابِه فلا يلوِي علَيهِم».
¥