تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقالَ الذّهبي في الميزانِ: «أحدُ الأعلامِ وفردُ زمانِه عِلماً ونقلاً وذكاءً وتفنّناً، له كتابُ (الفنونِ) في أزيدِ من أربعِ مئةِ مجلداً، إلاّ أنّه خالفَ السّلفَ، ووافقَ المعتزلةَ في عدّةِ بِدَعٍ نسألُ الله العفوَ والسّلامةَ، فإنّ كثرةَ التبحّرِ في الكلامِ ربّما أضرَّ بصاحبِه، ومن حسنِ إسلامِ المرءِ تركُه مالا يعنِيه».

ونقلَ الذّهبيُّ عنه قولَه: «وكانَ أصحابُنا الحنابلةُ يريدونَ مِنّي هجرانَ جماعةٍ مِن العلماءِ، وكانَ ذلكَ يحرِمُني عِلماً نافِعاً» ثمّ علّقَ علَيه بقوله: «قلتُ: كانُوا ينهوْنَه عن مجالسةِ المعتزلةِ ويأبَى حتّى وقعَ في حبائِلِهم وتجسّرَ على تأويلِ النّصوصِ، نسألُ اللهَ السّلامةَ».

وفي تاريخِ ابنِ الأثيرِ: «كانََ قد اشتغلَ بمذهبِ المعتزلةِ في حداثتِه على ابنِ الوليد فأرادَ الحنابلةُ قتلَه فاستجارَ ببابِ المراتبِ عدّةَ سنين، ثمّ أظهرَ التّوبةَ».

فانظُر ـ عافاكَ اللهُ ـ إلى هذا الإمامِ العلَم كيفَ وقعَ في البدعةِ مع ذكائِه وصِدقِه وقدمِه الرّاسخةِ في العِلم، ولكنّ اللهَ يهدِي من يشاء، فكيفَ بنا الآنَ مع أقوامٍ جرّؤوا الشبابَ وطلبةَ العلمِ على مخالطةِ المبتدعةِ والأخذِ عنهم من علومٍ شتى، بدعوَى لقاءِ أهلِ العلمِ والأخذِ منهم، والاستفادةِ مِمّا برزُوا فيهِ من العلمِ، أو مخالطةِ أصحابِ البدعِ في أعمالٍ دعويةٍ أو مؤتمراتٍ مع السّكوتِ عنهم وعن باطلِهم، وما أجملَ مقولة الإمام الذّهبيّ ـ رحِمَه اللهُ ـ في ترجمة ابن الوليد الآنف ذكرُه بعدَ أن ذكرَ براعتَه في المنطِقِ: «وما تنفعُ الآدابُ والبحثُ والذّكاء، وصاحِبُها هاوٍ بها في جهنّم» فالله المستعان.

يقول الدكتور: (أن يفهمنا الآخرون، لكي يحترموا حضارتنا وقيمنا، وإن لم يؤمنوا بديننا. فإننا إذا ما استطعنا بالحوار أن نصحّح تصوراتِهم الفاسدة عنا، خفّتْ عداوتهم لنا، ووسّعنا بيننا دائرة المشتركات الحقيقية (التي لا تُلغي الفروقَ الحقيقية)، مما سينفعنا منافعَ عديدة، حتى في الدعوة إلى الله تعالى.

أقول:كيف ستصحح تصوراتهم لديننا إلا بالخوض في بيان باطل ما خالفه، وهذا لن يروق للمحاورين لأنهم جاؤوا كما تقول للحديث عن الأمور المشتركة .. تناقض!

والله سبحانه أخبرنا بديمومة عداوة أهل الكتاب لنا ولم يخبرنا عن وسائل (تخفيف) العداوة وإنما أمرنا بالحذر منهم ومن أي دعوة صادرة عنهم لأنهم إنما يودون لو يردوننا عن ديننا إن استطاعوا ..

يقول الدكتور: (- الوصول إلى نظامٍ أو قانونٍ يمنع الاعتداء على المقدسات، كما أمر الله تعالى بقوله: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم" [الأنعام: 108].)

أقول: لن تصل إلى قانون مثل هذا بالحوار يا دكتور إلا إذا تصرفت وفق ما يتصرف اليهود حين يتكلم في المحرقة .. ونحن أولى بمثل هذا الموقف مع مقدساتنا ..

ولو ظللت تحاور ألف سنة لن يُسجن شخص واحد أو يجرم ولو بدولار واحد لأن الغرب لن يتخلى عن دينه وحرية أفراده لصالح مجموعة من السذج يجلسون حول مائدة الحوار ..

لن يحترم الغرب أمة لم ينبس أيّ مسؤول فيها ببنت شفة إزاء سب نبيهم ..

لن يحترم الغرب أمة تنهي مقاطعة وتستجيب عواطفها وحميتها لمجموعة من الدعاة الإعلاميين البسطاء الذين تدغدغهم عبارات الثناء والحوار والوسطية والاعتدال التي تُكال لهم بالمجان ليقدموا المزيد!

ولن ينتهي الغرب عن انتهاك مقدساتنا مادام بين أظهرنا من ينتهكها بلا رقيب و لا رادع ..

حين يهب حاكم عربي واحد ليقول للغرب كفى .. هذا فراق بيني وبينكم إن لم توقفوا سب نبينا حين ذلك سيحترم الغرب مقدساتنا بلا حوار ولا خوار ..

يقول الدكتور: (- الوصول إلى صُلْحٍ يحفظ الدِّينَ والأعراض والدماء والأموال)

أقول: الصلح يكون بين متنازعين .. ونحن أمة مهزومة مغلوبة تُفرض عليها أوضاع معينة يُراد منها مسخها وإعادة تشكيلها ..

الذي يحصل ليس صلحاً وإنما استجابة لضغوط قد يرى البعض أن يستجيب لها شكلاً كمناورة سياسية فهذا شأنه لكن لا يجوز له أن يصدّق الموضوع فينطلق في الحوار إلى أبعد مما كان يطمع به المخالفون أنفسهم.

يقول الدكتور: (فلا تنحصر مقاصد الحوار المشروعة في الدعوة إلى تغيير المعتقدات والأديان، كما لا يجوز أن يُؤَدِّي الحوار إلى تجريمنا، أو منعنا من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة)

أقول: والله إن لم يكن أهم وأول ما نحاور به الخلق لأجله هو تغيير المتقدات والأديان وإدخال الناس في دين الله فهذه أول هزيمة لنا ومكسب ونصر للمخالفين .. بل إنّ خلوّ الحوار أو لاتصال بالكفرة من وجود مقصد الدعوة يجعل منه نوعاً من الولاء والمخالطة المنهي عنها .. !

وكثيراً ما يسوغ العلماء بعض أنواع الخلطة مع المخالفين إذا كان هدفها الدعوة إلى الله .. بينما يقول الدكتور إنّ مقاصد الحوار لا تنحصر في الدعوة لتغيير المعتقد والدين ..

ثم يتناقض فيقول: (لا يجوز أن يُؤَدِّي الحوار إلى تجريمنا، أو منعنا من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة) فأي دعوة بالحكمة أو بغير الحكمة وأنت أخليت الحوار أصلاً من هذا المقصد؟!

وليس المقصود باستنكار الحوار في كثير من صوره وعمومياته تجريم المشاركين .. بل هم شتى .. منهم المتأول المعذور المعروف بصدقه وإخلاصه نحسبه كذلك .. ومنهم من تاريخه يشهد بأنه رائد في تمييع الدين وتحطيم ثوابته وتكسير عظامه وأركانه، وكلهم موجود في هذه المؤتمرات .. فهذا إجرامه في حق الأمة ليس مقتصراً على مؤتمرات الحوار ..

وأما ولاة الأمور وبعض أهل العلم ممن نحترمهم ونجلهم ممن لهم في هذا تأويل فمن حقهم علينا عذرهم والذب عن أعراضهم ومن حقنا عليهم احترام وجهة نظر المخالفين لهم وإن اشتدت عباراتهم فليسوا مهما بلغ بهم الأمر أسوأ ممن قبلوا أن يحاوروهم وجلسوا معهم، فهم أولى بالحوار وتقبل مخالفتهم بسعة صدر وتفهم ..

والله من وراء القصد ..

عبدالله أحمد الحسني

منقولان من المجلس العلمي في موقع الألوكة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير