تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دعوته هذا النجاح المذهل واقتحامها القلوب واستيلائها على النفوس والعقول والضمائر. ولسوف تظل ماضية فى طريقها تستولى على النفوس والعقول والضمائر فى كل مكان فى العالم وتحوز حصونها ومعاقلها إلى يوم الدين!

لا يوجد إذن ما سماه الأستاذ النقاش: "قراءة دينية"، بل هناك نقد أدبى، وهذا النقد الأدبى صور وألوان واهتمامات مختلفة كما قلنا، وإن كان المنهج المتكامل، أو إن شئت فقل: المنهج التكاملى، هو أشمل تلك المناهج جميعا رغم معرفتنا أنه من الصعب على الناقد تناول العمل الأدبى من كل جوانبه فى دراسة واحدة، إذ كل ناقد، أو كل بحث نقدى، إنما يركز اهتمامه فى المرة الواحدة على بعض الجوانب دون بعض. وليس من حق أحد أن يقول لغيره إنه لا يجوز لك أن تقرأ العمل الأدبى القراءة الفلانية، وإنما يمكن أن يناقشه فيما قال وأن يبين له الأسباب التى تدعوه إلى مخالفته، ويحاول أن يكسبه إلى صفه إن استطاع.

والحق أن تفسير "أولاد حارتنا" الذى تقدمه لنا القراءة التى خطّأها رجاء النقاش ووَسَمَها على سبيل التقليل من شأنها بـ"القراءة الدينية" هو لا غيره التفسير الصحيح لرواية "أولاد حارتنا"، وليس فيه أدنى افتئات عليها أو على صاحبها. لماذا؟ لأن هذا التفسير هو التفسير الذى وصفه نجيب محفوظ بأنه أصح تفسير للرواية، وأثنى عليه وعلى صاحبه. لكنه بطبيعة الحال لم يثن على الشيخ الغزالى والشيخ الشرباصى، اللذين فسراها نفس التفسير قبل أن يفسرها ذلك المفسر الذى مدحه محفوظ ونشر هو بدوره مديح محفوظ على الغلاف الخلفى للكتاب الذى سجل فيه ذلك التفسير، فعلم القراء جميعا بتلك الموافقة وذلك المديح، وأضحى إنكار ما كتبه محفوظ من المستحيلات. وذلك المفسر هو الناقد السورى المعروف جورج طرابيشى، وهو كاتب شيوعى نصرانى. أى أنه ليس عالم دين، بل ليس مسلما أصلا، وفوق ذلك فقد وافقه صاحب الرواية على رؤيته لها ومجَّد هذه الرؤية وعدّها أصدق تفسير لتلك الرواية وغيرها من الروايات التى تعرّض لها طرابيشى فى كتابه: "الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية"، إذ كان محفوظ قد أرسل له رسالة على إثر كتابته ما كتب جاء فيها: "بصراحة أعترف لك بصدق بصيرتك وقوة استدلالك، ولك أن تنشر عنى بأن تفسيرك للأعمال التى عرضتَها هو أصدق التفاسير بالنسبة لمؤلفها".

لقد أكد طرابيشى في ذلك الكتاب أن نجيب محفوظ قد رمز إلى الله بالجبلاوى، مشتقا ذلك الاسم من الفعل: "جَبَلَ" أي خَلَقَ، ورمز إلى "إبليس" بـ"إدريس"، وإلى آدم بـ"أدهم"، وإلى "حواء" بـ"أميمة"، وهو تصغير "أُمّ" إشارةً إلى أنها أم البشر، وإلى الجنة بـ"حديقة بيت الجبلاوى"، وأطلق على موسى اسم "جبل" لأن الله كلَّمه عند جبل الطور، وسمى عيسى "رفاعة" لأن الله رفعه إليه، ودعا محمدا بـ"قاسم" لأنه كان يُكْنَّى: "أبا القاسم". وهذا التحليل موجود فى الفصل الأول من كتاب الطرابيشى المشار إليه آنفا، فلا سبيل إلى المماراة فيه. فكيف يكون هذا التفسير مقبولا بل ممدوحا ومشكورا من طرابيشى، وفى ذات الوقت مرفوضا ومخطّأً ومحقورا من غيره، وفوق ذلك موسوما على سبيل التقليل والتحقير بـ"القراءة الدينية"، ومسخورا منه ومن أصحابه لا لشىء إلا لأنهم من رجال الأزهر، مع أنهم يكتبون بأسلوب أدبى أفضل كثيرا من أسلوب طرابيشى والنقّاش ذاته؟

ولعبد المنعم صبحى، وهو من الذين يحبون محفوظا ويثنون عليه وعلى إبداعه ثناء كبيرا، مقال عن "أولاد حارتنا" نشره فى مجلة "الفكر المعاصر" (عدد مايو 1967م) جاء فيه أن من السهل جدا حل الرموز التى تقوم عليها تلك الرواية: فإدريس هو إبليس، وأدهم هو آدم، وأميمة هى حواء، وقدرى هو قابيل، وهمام هو هابيل، وعرفة نبى العصر الحديث هو العلم، وأن محفوظا يؤكد أن ما يقدمه ليس رواية واقعية، بل رمزا لأحداث تناولها الدين من قبل، وأنه يروى قصة الإنسان بدءًا من طرده خارج الجنة، مرورًا بثورات الأنبياء ومحاولاتهم صنع الخير للإنسان، وانتهاءً بمجىء العلم فى النهاية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير