تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بأن أغلب العرائض التى وصلت النيابة العامة أرسلها أدباء". الحمد لله رب العالمين الذى أظهر الحق، وعلى يد من؟ على يد الأستاذ النقاش ذاته، إلا أنه للأسف لم ينتفع بهذا الحق الأبلج الوهاج، بل حاول بكل وسعه أن يحجزه ويخفيه!

ولعلم القارئ فإن كاتب "الجمهورية" الذى لفت الانتباه إلى مغزى الرواية وأنها فى الأديان كان كاتبا يساريا. أى أن من فسرها هذا التفسير، ولأول مرة، لم يكن عالما أزهريا ممن وصفهم محفوظ متخبطا بأنهم لم يقرأوا رواية واحدة فى حياتهم. وهذا نص ما قاله عادل حمودة فى هذا الموضوع: "وحسبما قال لي نجيب محفوظ في وجود محمد حسنين هيكل فإن "أولاد حارتنا" كانت أول رواية تنشر علي حلقات في صحيفة يومية. ولم يكن ليلتفت إلى ما فيها أحد لولا أن انتبه إليها كاتب يساري في جريدة الجمهورية: ربما أحمد عباس صالح أو سعد الدين وهبة، وقال: ياجماعة، خذوا بالكم. دي مش رواية عادية. دي رواية عن الأنبياء. ساعتها قامت القيامة " (عادل حمودة/ أولادنا عادوا إلى حارتنا/ الأهرام/ السبت 13 يناير 2007م).

وأعجب من هذا وأغرب أن الأستاذ نجيب محفوظ يقول هو أيضا عقب ذلك: "لقد تعرض رجال الأزهر للخداع لأنهم لم يحسنوا قراءة الرواية أو فهمها. بل إن بعضهم لم يقرأوا رواية أدبية واحدة فى حياته. ومن هنا فسروا رواية "أولاد حارتنا" تفسيرا دينيا، ورَأَوْا شخصية "الجبلاوى" ترمز إلى الله سحانه وتعالى. أما بقية الشخصيات فقد فسروها بنفس الطريقة: فأدهم هو آدم، وإدريس هو إبليس، وجبل هو موسى، ورفاعة هو عيسى. أما شخصية قاسم فقد فسروها بأنها شخصية محمد عليه الصلاة والسلام". أرأيت، أيها القارئ العزيز، كيف يتم التلاعب بالحقائق ورمى الناس بالتهم الجاهزة على غير أساس؟ فرجال الأزهر الذين فسروا الرواية هذا التفسير الذى يؤكد محفوظ أنه تفسير خاطئ لم يقرأوا رواية واحدة فى حياتهم. كيف عرف ذلك؟ هل كان يعيش مع كل منهم طوال عمره وتأكد أن أيا منهم لم يقرأ رواية البتة؟ إن هذا تخبط لا يليق بنجيب محفوظ، وما كان له أن يقول هذا عن مثل الشيخ محمد الغزالى، وهو يحتل فى ساحة الفكر الإسلامى مكانة لا تقل، إن لم تزد، عن تلك التى يحتلها محفوظ فى ساحة الكتابة الروائية. بل إنى لأظن أن ثقافته أوسع من ثقافة الأستاذ نجيب، الذى اشتهر بمجاملاته حتى لأى كاتب متوسط من كتاب اليسار الذين لا يحسن الواحد منهم كتابة جملة سليمة، ولا تزيد ثقافة كثير منهم عن ثقافة الدبلومات التى لم يحصلوا على أعلى منها، فيظلون طول عمرهم فى أسفل السلم الثقافى والإبداعى، ومع هذا يتكلم عنهم الأستاذ نجيب وكأنه يتكلم عن أبناء بَجْدَتها. أَوَكُلُّ هذا التخبط لمجرد العمل على تبرئة روايته؟ ثم كيف يتهمهم بأنهم لم يحسنوا قراءة الرواية، ومن ثم أخطأوا تفسيرها، وهو نفسه الذى قال قبل قليل إن الذى فسرها هذا التفسير وقدم العرائض والشكاوى ضدها هم فريق من الأدباء؟

ثم قبل ذلك ماذا يقول فى الخطاب الذى بعث به إلى جورج طرابيشى ونشر هذا بعض سطوره على الغلاف الخلفى لكتابه الذى تناول بالنقد والتحليل فى الفصل الأول منه رواية "أولاد حارتنا" وفسرها نفس التفسير الذى يقول محفوظ عمن قالوا به من شيوخ الأزهر إنهم لا يفهمون فى فن الرواية شيئا، هذا الخطاب الذى أكد فيه أديبنا أن ما كتبه طرابيشى عن هذه الرواية وأشباهها من الروايات الرمزية الأخرى وقال فيه إن الجبلاوى هو الله، وإدريس هو إبليس، وأدهم هو آدم، وموسى هو جبل، ورفاعة هو المسيح، وقاسم هو محمد، وإن الرواية إنما تحكى قصة البشرية من لدن آدم وحواء مرورا بأولئك الأنبياء ودعواتهم السماوية، وانتهاء بالعصر الحديث الذى أضحت فيه لعرفة، أى العلم، السيادة على الفكر البشرى واحتل المكانة التى كان يحتلها الدين سابقا بعد أن قتل الجبلاوى أو تسبب على الأقل فى قتله هو أصح تفسير لها؟ لا أنكر أننى أحب فن نجيب محفوظ، وكانت فكرتى عنه رحمه الله أنه، وإن لم يكن من الشجعان الذين يقفون فى وجه السلطة دون خوف، فإنه رغم ذلك لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام الغريب. إلا أن الأمر هنا، كما يرى القارئ معى، يبعث على الذهول. لو كان خطابه لطرابيشى غير منشور ومتاح لكل من فى رأسه عينان يقرأ بهما لما كانت هناك مشكلة "فنية" فى الرواية التى ساقها لنا رجاء النقاش على لسانه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير