تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمّا وهذا الخطاب يعلم به القاصى والدانى فلا أفهم كيف قال الأستاذ نجيب ما قال لرجاء النقاش. وكذلك لا أفهم أن يسكت الأستاذ النقاش فلا يصحح هذا الخطأ الأبلق. وبالمثل ما كان ينبغى أن يساير النقاش محفوظا على اتهامه المتخبط لمثل هؤلاء العمالقة بأنهم لم يقرأوا رواية واحدة فى حياتهم، بل كان يجب أن يعلق بما يمسح هذا العار عن عبارة محفوظ. ذلك أنه لا بد لنا من احترام أهل الفضل، إذ إن احترامنا لهم دليل على أننا نحن أيضا من أهل الفضل.

وما دمنا قد فتحنا هذا الموضوع فلا بد أن أقول هنا، وبملء فمى، إننى رغم ما أثنيت به على أسلوب النقاش أرى بكل قوة أن أسلوب الغزالى والشرباصى مثلا أفضل من أسلوبه كثيرا، وثقافتهما كذلك أوسع من ثقافته. ثم إن المعروف عن الغزالى والشرباصى أن فكرهما الدينى كان مبنيا على التسامح وسعة الأفق والرؤية الحضارية الراقية. كما أن سابق كان، فيما سمعت، "ابن نكتة". وكتابه: "فقه السنة" يدل على قوة الفقه وسعة العَطَن وعدم التعصب لرأى من الآراء. وهو مكتوب بعبارة تجمع بين الدقة الفقهية وإشراقة الديباجة. فمن العيب الزراية على مثل أولئك العلماء بهذه الاستهانة المتخبطة التى لا تليق. وأعترف هنا أن ذلك الكتاب قد نفعنى أنا وأسرتى فى حِجَّتَيْنا الثانية والثالثة، إذ طالعتُ فيه كل الآراء الفقهية التى تتعلق بمناسك الحج وأخذتُ وأخذ من كان معنا فى تينك الحجتين بأسهل الآراء وأسمحها وأقلها مشقة وأنسبها لظروفنا وظروف السيدات والفتيات والصغار الذين كانوا معنا. كذلك لم يحدث أن صدر عن أحد من هؤلاء العلماء الكبار شىء يسىء إلى شخص نجيب محفوظ على أى نحو كان، وكان موقفهم ينحصر فى الاعتراض على الرواية، والرواية وحدها، كما لم نسمع أن أيا منهم قد كفّر الرجل أو قلّل من شأنه، فلماذا تحويل القضية إلى هذا المنعطف، بل المنحَرَف، المسىء؟

ولا بد هنا من القول بأن الإسلام لا يتدخل بين العبد وضميره، فمبادئه أوضح من الشمس: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف/ 29)، "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ" (الغاشية/ 21 - 22)، "قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ" (الأنعام/ 104)، "اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ" (الأنعام/ 106 - 107)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس/99)، "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة/ 256). وعلى هذا فنحن حين نحلّل رواية محفوظ وننتقدها لا نبغى أن نسىء إليه، بل كل ما هنالك أننا نعبر عن رأينا فيما فعل فى روايته، مثلما كان له الحق فى أن يكتب تلك الرواية. أما أن يكون له الحق كل الحق فى أن يقول ما يريد، ثم إذا تعرض لعمله متعرض من النقاد أو المفكرين قيل له: إنه ليس من حقك أن تتناول ذلك العمل، أو إنك لا تستطيع أن تفهم هذا العمل، فهذا إرهاب فكرى من اللون الصغير بل الحقير. ومن ثم نقول إن الرواية تتناول فعلا مسيرة البشرية منذ بداية الخلق حتى عصرنا هذا، وإن الجبلاوى فيها يرمز إلى الله جل وعلا، وإدريس هو إبليس، وأدهم هو آدم، وأميمة هى حواء ... وقاسم هو سيد الأنبياء والمرسلين، وعرفة هو العلم. ومن لا يعجبه هذا الكلام فهو حر، لكنه لا ينبغى أن يلجأ إلى التضليل والتدليس فى مثل تلك القضايا الخطيرة، لأنه ببساطة عيب لا يليق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير