تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذين يعرفون القرآن يلاحظون أن كتاب الله قد حكى فى أكثر من سورة منه قصص عدد من الأنبياء مع أقوامهم على نحو متتابع، ما إن تنتهى قصة لأحد الرسل حتى تبدأ قصة أخرى لرسول غيره ... حدث هذا فى "الأعراف" وفى "هود" وفى "الشعراء" مثلا. ولا أستبعد أن يكون كاتبنا قد استلهم تلك الطريقة فى بناء روايته، التى تقوم هى أيضا على حكاية قصص بعض النبيين مع أقوامهم والنجاح الذى أحرزوه، ثم تُتْبِع ذلك برصد التقهقر الذى يصيب أمة كل رسول مع تطاول الزمن واحتياج الأمة أو البشرية من ثم إلى مجىء نبى جديد، والبشرية لا تتعلم الدرس أبدا. وهو ما قد يذكرنا بقول المعرى:

كم وعظ الواعظون فينا * وقام في الأرض أنبياءُ

وانصرفوا، والبلاء باق * ولم يزل داؤنا العياءُ

حُكْمٌ جرى للمليك فينا* ونحن في الأصل أغبياءُ

وقد شخص محفوظ الله سبحانه فى روايته التى نحن بصددها لا لأنه يؤمن بأنه سبحانه ذو وجود مادى، بل لأنه إنما يتعامل فى الرواية مع رمز. وأنا لا أدرى على وجه اليقين القاطع ماذا كانت عقيدة محفوظ فى الألوهية والنبوات وقتها: ترى أكان يؤمن بالله سبحانه وبالأنبياء عليهم السلام، أم كان ملحدا، أم كان شاكًّا لا يستقر على قرار؟ وإن كنا قد قرأنا بعد وفاته على لسان الرجل الذى كان يقرأ له الصحف كل يوم، وهو الحاج محمد صبرى المحرر بالقسم الأدبى بـ"الأهرام"، أنه، رحمه الله، كان يصلى ويتيمم بالضرب على الوسادة فيما أذكر نظرا لظروف مرضه. وقد أسعدنى هذا أيما سعادة رغم معرفتى أن الإيمان إنما هو مسألة بين العبد وربه. إلا أن هذا لا يمنع الآخرين من الشعور بالسرور إذا وجدوا أن من يحبونهم يتخذون ذات الطريق التى يتخذونها هم فى الحياة. على أن بعضا من قصصه فى الفترة التى تلت نشر "أولاد حارتنا" تدور حول البحث عن الله سبحانه بنفس الأسلوب الرمزى الموجود فى روايتنا الحالية، مثل "الطريق" و"السمان والخريف"، كما تتبدى فيها الحيرة والمعاناة والتخبط.

ثم إن أسلوب حياة محفوظ قبل زواجه الذى تأخر إلى حد ملحوظ بالنسبة لظروف مجتمعنا كان أسلوبا بوهيميا عرف صاحبه الطريق مرارا وتكرارا إلى بيوت البغاء وإلى موائد القمار وقعدات الحشيش، وتوغل فى هذا الطريق إلى مدى مخيف حسبما قرأنا فى مقال لمحمد سيد بركة منشور فى موقع "رابطة أدباء الشام" عنوانه: "محفوظ في منتصف عقده التسعيني- نظرة إلى المسكوت عنه"، إذ جاء فيه ما نصه: "وربما أسهمت الاعترافات التي أدلى بها نجيب محفوظ حول شبابه المبكر وما حفل به من علاقات مع المرأة كانت الغريزة محركها الأساسي، في إلقاء الضوء حول مكونات هذه الرؤية لدور المرأة في أدب محفوظ. ومن بين هذه الاعترافات قوله، حسبما نشرته إحدى المواقع العربية على شبكة الإنترنت، إنه عاش في الفترة التي سبقت زواجه حياة عربدة كاملة: "كنت من رواد دور البغاء الرسمية والسرية، ومن رواد الصالات والكباريهات. ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن أن يتصور أبدا أن شخصا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن ان يعرف الحب والزواج. كانت نظرتي للمرأة في ذلك الحين جنسية بحتة ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحيانا شيء من الاحترام". ولم تكن المرأة وحدها العنصر الوحيد في هذه الحياة اللاهية، بل صاحبتها أشياء أخرى اعترف بها محفوظ في رسالة إلى أحد أصدقائه أوردها الباحث د. السيد أحمد فرج في كتاب بعنوان "أدب نجيب محفوظ وقال فيها: "لقد عرفت هذا الصيف أديبا شابا موهوبا ولطيفا معا، ولهذا الأديب عوامة نقضي فيها نصف الليل ما بين الحشيش والأوانس، وانقلب أخوك شيئا آخر. بل علمني البوكر، سامحه الله، فغدوت مقامرا، وليس بيني وبين دكتور الأمراض التناسلية إلا خطوة. فانظر كيف يتدهور الأديب على آخر الزمن! وفي هذه اللحظة التي أكاتبك فيها يعثرون على القنابل في القاهرة كالتراب، خصوصا بعد حادث سينما مترو. بل تَصَوَّرْ أنه انفجرت منذ أسبوعين قنبلة في شارعنا، وعلى بعد عشرين مترا من بيتنا، وكان من نتائج ذلك أني بطّلت حفظ الحشيش في البيت خوفا من التفتيش".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير