تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان قد نشر هذه الرسالة فى جريدة "الدستور" الدكتور أدهم رجب، الصديق الذى كان قد أرسلها محفوظ إليه، ونقلها مصطفى عدنان فى مقال له عن محفوظ بجريدة "النور" (25 جمادى الأولى 1409هـ/ 8)، وعنه نقلها بدوره د. السيد أحمد فرج فى الصفحتين الثانية والخمسين والسادسة والعشرين بعد المائة من كتابه: "أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام واالتغريب"، لينقلها عنه أيضا محمد سيد بركة فى مقاله الآنف الذكر. ولهذا دلالته التى لا أظنها تخفى على العين والعقل.

ومع هذا فكعادة نجيب محفوظ فى تغيير كلامه أحيانا تبعا للسياق نراه يقول للصحفى عبد التواب عبد الحى فى حوار أجراه معه فى الخمسينات، وإن لم ينشر مع ذلك إلا فى عدد مجلة "الهلال" الصادر فى ديسمبر 2005م، إذ أكد له أنه لم يدخن الحشيش إلا مرة واحدة أيام أن كان فى المرحلة الثانوية أخذ فيها نَفَسا أو نفسين فوقع من فوق الكرسى على الأرض غائبا عن الوعى فى أحد مقاهى الغورية، ومن يومها لم يعد إليه (ص164). وهذا، كما يرى القارئ، كلام لا يتسق بحال مع الخطاب الذى أرسله إلى أدهم رجب. وللعلم فقد قرأت أن محفوظا قد غضب مما صنعه رجب، وهو أمر طبيعى، إذ إن نشر الخطاب الحشيشى قد فضح الحقيقة التى أراد أديبنا أن يسرتها كى تظل صورته فى عين القارئ نقية صافية. وللعلم أيضا فقد نشر عبدالتواب عبد الحى حواره القديم مع محفوظ تحت عنوان قاتل الدلالة، فقد سماه: "حشيش نجيب محفوظ"، وذكر فيه أن لـ"الحشيش" حضورا لافتا للنظر فى روايات كاتبنا.

وبمناسبة دفاع رجاء النقاش فى كتابه الذى معنا الآن عن إيمان محفوظ بالله واستناده إلى أن هذا ما شهد به له الدكتور أحمد كمال أبو المجد أود أن أقول إن فى كلام النقاش خلطا بين "محفوظين": محفوظ الذى كتب "أولاد حارتنا" ومحفوظ الذى سمعناه فى آخر حياته يعلن إيمانه بالله واعتزازه بالإسلام. وإذا كنت قد قلت إننى لا أعرف على وجه اليقين القاطع ماذا كانت عقيدة الرجل حين كتب تلك الرواية فقد كان ذلك من باب المنهجية العلمية لا غير، إذ إن ما فى ذهنى مما قرأته لمحفوظ وعن محفوظ، وهو ليس القليل، لا يساعدنى على وضعه فى ذلك الحين فى صف المناصرين للإسلام. وهذه عبارة مخففة جدا. وها هو ذا الأستاذ رجاء النقاش نفسه، فى عدد مجلة "الهلال" الخاص بمحفوظ الصادر فى فبراير 1970م حين كان النقاش رئيسا لتحريرها، يحدد عقيدة محفوظ فى تلك الأيام قائلا إنه يشعر بأنه ماركسى أو على الأقل: يميل إلى الماركسية، لكنه يتردد فى إعلان ذلك. وكان رد محفوظ عليه أنه قد أجاد فعلا تشخيص عقيدته، مضيفا أنه إن كان لا بد له من اختيار بين الرأسمالية والماركسية فإنه يختار الماركسية، وإن لم يعدّ نفسه رغم ذلك ماركسيا رغم التعاطف الشديد معها لأنه لا يهتم كثيرا بالجانب النظرى فيها بقدر ما يهتم بتطبيقها فى الواقع ويؤمن به. ثم يؤكد محفوظ أن "الإيمان الوحيد الحاضر فى قلبى هو إيمانى بالعلم والمنهج العلمى"، وأن الاعتماد على العلم فى كل شىء هو إحدى سمات المجتمع الماركسى. وبالمثل نراه يعترض على الطبقية والميراث وأشياء أخرى يعترض عليها الماركسيون ويوافقهم تماما بشأنها (ص40 - 41 من عدد مجلة "الهلال" المذكور). وبالمناسبة فقد أحاط اليساريون بكاتبنا فى الستينات، وكانوا هم الوحيدين تقريبا الذين يكتبون عنه ويحمّلون رواياته المعانى التى تخدم اتجاههم.

وهناك مقالٌ آخرُ جِدُّ هامٍّ لرجاء النقاش عن محفوظ بعنوان "الوجه العالمى لنجيب محفوظ" يجده القارئ منشورا فى الكتاب التذكارى الذى أصدرته وزراة الثقافة المصرية بمناسبة فوز محفوظ بنوبل وسمَّتْه: "نجيب محفوظ: نوبل 1988" (ص81 - 87). والملاحَظ أن النقّاش لم يذكر فى ذلك المقال شيئا عن أى إيمان للرجل إلا الإيمان بالعلم، وأعاد فيه ما كان محفوظ قد قاله فى عدد "مجلة الهلال" الخاص به سنة 1970م عن الماركسية، وكأن محفوظا لا علاقة له بالإسلام من قريب أو من بعيد. بل لقد ركز النقاش فى ذلك المقال على ما اختتم به كاتبنا روايته: "أولاد حارتنا" من كلام عن عرفة، أحد أبطال تلك الرواية، مؤكدا أن محفوظا كان ممتلئا أملا وتفاؤلا وثقة تامة بالعلم، الذى رمز له فى الرواية بـ"عرفة" وأن هذه الشخصية هى التى سوف تقضى على تعاسات الإنسان المختلفة وتحقق الخير والسعادة للجميع! والآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير