تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل هناك يا ترى ما يمكن أن يتنطع به المتنطعون أو يتمحك فيه المتمحكون؟ إننا لم نأت بشىء من لَدُنّا، بل نقلنا ما قاله النقاش ومحفوظ ليس إلا.

وهذا الكلام يختلف عما أصبح محفوظ "يقوله" بعد ذلك كما فى حواره مع أحمد هاشم الشريف، إذ "أعلن" مثلا أنه يضع أمله فى "التربية الدينية للشباب: الدين مع العلم والمعرفة والشورى"، وأن "الإسلام ليس فيه عائق واحد ضد الحضارة"، وأن "التربية الدينية التى تتوافق مع حقائق العصر سوف تعيد فتح النوافذ" (نجيب محفوظ- محاورات قبل نوبل/ كتاب صباح الخير/ 1989م/ 88)، وكما فى حوار آخر له مع محمود فوزى، الذى سأله: "ما هو جوهر الدين من وجهة نظرك؟ وهل يختلف عن مفهوم سائر الناس له؟ "، فكان جوابه: "الدين بكل بساطة هو الإيمان بخالق لهذا الكون والحياة ... وهكذا فقد حاولتُ جاهدا أن أكون مثاليا مع الناس بقدر إمكانى من خلال إيمانى وفهمى للدين". وقد سأله فوزى سؤالا آخر: "ماهى أهم شخصية إسلامية تقترب من فكر وقلب نجيب محفوظ؟ "، فرد قائلا: "الرسول صاحب الرسالة والدين، صاحب أعظم إنجاز روحى للبشرية، صاحب أعظم إنجاز فى التكامل بين الدين والحياة معا" (اعترافات نجيب محفوظ/ دار الشباب/ 96 - 97).

وفى حواراته مع محمد سلماوى فى كتابه: "نجيب محفوظ: وطنى مصر" نراه يبرز دور الدين فى التقدم، مؤكدا أن الفلسفات لا يمكن أن تقوم بذلك الدور مهما تضمنت من مبادئ وقيم عظيمة. بل إنه ليؤكد أن الفلسفة حينذاك تكون مستمدة من الدين، وأن الإيمان بالله هو أساس اليقين، وبدونه يصبح كل شىء مزعزعا (مكتبة الأسرة 2000/ 62 - 64). وكان سلماوى قد سأله أى "الأمصار" أقرب إلى قلبه: مصر الفرعونية أم اليونانية الرومانية أم القبطية أم الإسلامية أم الحديثة؟ فكان جوابه أنه يجد فى قلبه ميلا أكثر إلى مصر الإسلامية (ص25). ثم حدد ما أضافه الإسلام إلى مصر الفرعونية بأنه العقيدة السامية بما تتضمنه تلك العقيدة من مبادئ لم تكن مصر القديمة قد توصلت إلى تحقيقها، وهى العدالة والمساواة بين البشر التى لا تعرف فرقا بين الأسود والأصفر والأبيض ولا بين الغنى والفقير ولا بين الحاكم والمحكوم، مضيفا أن عمر بن الخطاب هو خير تجسيد لذلك كله (ص26). كذلك كتب د. محمد سليم العوا على الغلاف الأخير لطبعة "دار الشروق" للرواية: "إن نجيب محفوظ قال: إنه في حياته لم يأت إليه شك في الله. وإذا كنتُ قد بدأتُ في فهم الدين فهما خاصا في وقت المراهقة فإنني قد فهمتُ الإسلام علي حقيقته تماما بعد ذلك. بل أعتقد جازما وحازما أنه لا نهضة حقيقية في بلد إسلامي إلا من خلال الإسلام ".

ولكى تكون الصورة واضحة تماما ينبغى أن نشير إلى ما ذكره الأستاذ نجيب فى أحد حواراته الصحفية من أنه قد عرف بالمصادفة أن ابنته الكبرى أم كلثوم تصلى، وذكر أنها تقرأ القرآن كل ليلة قبل أن تأوى إلى فراشها (انظر مثلا حواره مع جمال الغيطانى فى كتابه: "نجيب محفوظ يتذكر"/ أخبار اليوم/ 148). وفى حوار آخر مع محمد سلماوى وصف بنتيه جميعا: أم كلثوم وفاطمة (أو هدى وفاتن كما تحبان أن يناديهما الآخرون نفورا من اسميهما الرسميين حسبما ورد فى حوار لمحفوظ مع الصحفية سهام ذهنى نشرته فى كتابها: "كلام خاص جدا"/ مطابع الأهرام/ 1998م/ 67) بأنهما "متدينتان جدا: تصليان وتصومان، وقد حجتا إلى بيت الله الحرام" (نجيب محفوط: وطنى مصر/ مكتبة الأسرة/ 2000م/ 78).

وأرجو أن يكون القارئ قد لاحظ استعمالى الفعلين: "يقول" و"يعلن" بالنسبة إلى اعتقادات الأستاذ محفوظ، إذ الأمر كله إنما هو كلام يقوله الرجل، أما ما بداخل النفوس فمرده إلى الله المطلع على كل شىء سبحانه وتعالى. ذلك أنه قد أُثِر عن نجيب محفوظ الشىء ونقيضه، وبدا الأمر أحيانا وكأنه يعمل على إسماع كل شخص النغمة التى يحبها أو على الأقل: التى يتوقع سماعها منه، كما هو الحال حين رأيناه يقول لجورج طرابيشى إن ما قاله فى تفسير رموز الرواية هو أصدق التفسيرات وأقربها إلى ما فى نفسه، ثم رأيناه كذلك يقول للمستشرق البريطانى فيليب ستيوارت مترجم الرواية إن "الجبلاوى" هو فعلا "الله"، أو بالأحرى: الإله فى اعتقاد بعض البشر، ثم سمعناه مع ذلك ينكر أن يكون قد قصد بتلك الشخصية الرمز إلى المولى سبحانه بأى حال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير