تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويمكن الاستشهاد فى هذا السياق أيضا بما قاله عن سيد قطب، إذ فى الوقت الذى سمعناه يثنى عليه فى بعض حواراته ويتحدث عن صداقته له وحرصه على إنقاذه مما كان ينتظره على يد الحكم فى مصر عند زيارته له عقب خروجه من السجن أول مرة، ذاكرا فضله عليه فى تلميعه وتأسيس شهرته كاتبا روائيا بعد أن مكث زمانا يكتب دون أن يلتفت إليه أحد من النقاد أو يهتم بإبداعه إلى أن أتى سيد قطب فكتب عنه وأبرز جوانب تفرده وتفوقه، فإذا به وقد صار ملء السمع والبصر، وهو ما أشار إليه رجاء النقاش ذاته فى كتابه الذى بين أيدينا الآن (ص23 - 24. وانظر فى حديثه عن صداقته لسيد قطب كتاب "ثرثرة مع نجيب محفوظ" لسهام ذهنى/ كتاب اليوم/ العدد 450/ فبراير 2002م/ 135)، نجده فى الفصل الذى عقده له فى كتابه: "المرايا" تحت اسم "عبد الوهاب إسماعيل" يصوره فى صورةٍ جِدّ منفِّرة، مهتبلا فرصة الغموض الذى غلّف به تلك الشخصية، إذ سماه: "عبد الوهاب إسماعيل" ولم يقل بصراحة إنه يكتب عن سيد قطب، بالضبط مثلما صنع مع الجبلاوى، الذى يؤكد الآن أنه لم يقصد به قط أن يكون رمزا إلى الله جل وعلا. وهذا ما قاله فى "المرايا": "إنه اليوم أسطورة، وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير. وبالرغم من أننى لم ألق منه إلا معاملة كريمة أخوية إلا أننى لم أرتح أبدا لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين ... كان أزهريا لا علم له بلغة أجنبية ... امتاز بهدوء الأعصاب وأدب الحديث فما احتد مرة أو انفعل ولا حاد عن الموضوعية، فاقتنعتُ بحدة ذكائه ومقدرته الجدلية واطلاعه الواسع رغم اعتماده الواسع على كتب التراث والكتب المترجمة ... وبالرغم من تظاهره بالعصرية فى أفكاره وملبسه وأخذه بالأساليب العصرية فى الطعام وارتياد دور السينما، إلا أن تأثره بالدين وإيمانه بل وتعصبه لم تخف علىّ ... أزعجنى جدا اكتشاف ذلك الجانب الانتهازى من شخصيته، وسارونى شك من ناحية صدقه وامانته، واستقر فى نفسى رغم صداقتنا نفور دائم منه" (المرايا/ مكتبة مصر/ 204 - 205).

والحق أن هذا الكلام يبعث على الفزع: الفزع من نجيب محفوظ لا من سيد قطب، إذ إن محفوظا يقر بأنه كانت بينهما صداقة وأن قطبا لم يبدر مه تجاهه إلا كل معاملة كريمة، وأنه كان إنسانا موضوعيا تمام الموضوعية ولا تخرج منه "العيبة" بالتعبير البلدى، ولكن كاتبنا مع ذلك كله كان ينطوى على النفور منه ويتهمه بأنه انتهازى وأن أحواله لا تبعث على الثقة به أو الاطمئنان إلى أمانته. ثم لا تنس أن تلتفت إلى ربطه بين التخلف عن العصر والتدين. أى أن الإسلام يضاد العصرية فى نظره. فضلا عن الزعم بأن قطبا أزهرى، مع أنه قد تعلم فى المدارس وتخرج من دار العلوم، فلم تكن له إذن أية صلة بالأزهر، ولا أظن محفوظا كان يجهل ذلك. ثم هل مما يبعث على الاطمئنان يا ترى أن يتظاهر إنسان بصداقة شخص آخر وهو ينفر منه كل هذا القدر من النفور؟ أما التمحك فى جحوظ العينين فهو كلام لا يليق!

ثم هل يصحّ وصف سيد قطب بالانتهازية؟ أولو كان، رحمه الله، انتهازيا أكان يهتم كل هذا الاهتمام بكاتب غير مشهور كمحفوظ فى بداية حياته الأدبية فيكتب عنه ويرفعه إلى عنان السماء؟ فماذا كان ينتظر من محفوظ أوانئذ يا ترى؟ وما الثمن الذى طلبه منه قطب قبل أو بعد كتابته عنه؟ أولو كان قطب انتهازيا أكان يسكت على العقاد حين تقاعس العقاد عن كتابة مقدمة لأحد كتبه فلا ينقلب عليه بقلمه؟ إنه لم يقل كلمة عن العقاد تقلل من قدره ولو على سبل اللمز والغمز مما لا يمكن مؤاخذة صاحبه به. وكان العقاد من جانبه هو أيضا فارسا شهما كعادته فلم يسئ إليه بأى معنى من المعانى. أى أن كليهما كان شريفا نبيلا فى موقفه من الآخر حين افترقت بهما السبل. كذلك لو كان قطب انتهازيا أكان يصطدم بعبد الناصر ورفاقه ويعرض نفسه لحبل المشنقة ولا يتراجع فى موقفه فيفكّ رقبته من ذلك الحبل رغم كل المغريات التى كانت تدفعه فى هذا السبيل، وبخاصة أنه كان يؤمن، صوابًا أو خطأً، بأنه إنما يحارب الغرب كله فى شخص الثورة، وأنه من ثم لا يسهل أن ينتصر فى هذا الصدام؟ إن الرجل لم يغير موقفه قيد شعرة، وقد كان يستطيع، لو صَحَّ وَصْفُه بالانتهازية، أن يصنع كما صنع غيره فيبدى التحمس لعبد الناصر وحركته العسكرية وهو حى ثم ينقلب عليه بعد وفاته مثلما فعل كتاب كبار، وعلى رأسهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير