تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محفوظ ذاته!

إننى لست من المشايعين على طول الخط لسيد قطب، وقد انتقدتُ بعض أفكاره فى أكثر من كتاب لى، إلا أننى لا أخفى مع هذا تقديرى لشجاعته وصراحة موقفه حتى لو رأينا عكس ما كان يرى فى بعض الأحيان، إذ لا شك أن مواقفه جميعا تنضح بالرجولة والإقدام، لا نكران لذلك. أقول هذا حتى لا يظن أحد أننى متعصب لسيد قطب. ولقد سبق أن قلت عن محفوظ إنه يتفوق على كثير من الروائيين الموصوفين بالعالمية وأكدت أنه يستحق نوبل أفضل مما يستحقها بعض من فازوا بها، ومن ثم فلا يمكن القول بأننى منحاز ضد محفوظ.

وإذا كان لا بد من إضافة كلمة هنا عن قطب فلعل ما كتبه سليمان فياض عنه، وهو آخر من يمكن الظن بمشايعته لقطب واتجاهه، هو أفضل ما يمكن إيراده، فقد أذكر أنى قرأت له مقالا فى عدد من أعداد مجلة "الهلال" منذ وقت طويل، ولعله عدد سبتمبر 1986م، ولعل عنوان المقال هو "سيد قطب بين النقد الأدبى وجاهلية القرن العشرين"، الذى أذكر أنه نشره بعد ذلك فى كتاب "المثقفون: وجوه من الذاكرة" عن دار سعاد الصباح عام 1992م وأعطاه عنوانا جديدا هو: "تحولات كاتب"، أشار فيه إلى تصرف لسيد قطب يدل على نبلٍ وتجردٍ عجيبين، وبالذات لأنه وقع منه وهو فى السجن، فقد كان فياض أهدى له قبل هذا كتابا من كتبه، فلما سُجِن قطب انتهز فرصة زيارة أخيه محمد له فى السجن وأعطاه كلمة الإهداء بعد أن فصلها عن الكتاب وكلفه أن يسلمها لفياض يدا بيد حتى لا تذهب به المخاوف إلى أنها يمكن أن تقع فى أيدى السلطات الناصرية فينكّلوا به لصلته بقطب: انتهت الحكاية! فهل هذا تصرف شخص يتصف بالصفات السيئة التى وصف نحيب محفوظ سيد قطب بها؟ أترك الجواب لضمير القارئ.

وقد اعترض رجاء النقاش على القول بأن الجبلاوى يرمز إلى المولى سبحانه، وكانت حجته هى كيف يكون الجبلاوى الذى وصفه نجيب محفوظ بأنه جد أبطال الرواية هو الله سبحانه، والله لا يمكن أن يكون جدا لأحد لأنه هو الخالق، والجد لا يخلق أولاده وأحفاده، بل ينجبهم؟ (ص102). وهى حجة داحضة لأننا لا نتهم نجيب محفوظ بأنه يؤمن بأن الله هو جد البشر فعلا، بل نقول إنه قد رمز له بشخصية الجبلاوى. فماذا كان ينبغى أن تكون علاقة الجبلاوى بالبشر، وهو الذى قُدِّم فى الرواية بوصفه إنسانا؟ لو لم يقل محفوظ إنه جد البشر بل خالقهم لفسد كل شىء ولما كان هنالك رمز. ثم إن كتاب محفوظ ليس كتابا فى اللغة حتى يتحجج النقّاش، كما فعل، بأن اللغة لا تسعف تفسير "الله" بأنه جد البشر، كما أنه ليس كتابا فى علم الكلام يبحث فى الألوهية بحثا مباشرا بأسلوب علمى، بل هو رواية، فلا معنى لهذا الاعتراض، الذى لا يقل عنه تهاويا ما قاله الأستاذ جلال كشك فى كتابه: "أولاد حارتنا فيها قولان"، من أن الذى يقول إن "الجبلاوى" فى "أولاد حارتنا" يرمز إلى الله هو الذى يجب أن يتوب من ذنبه ويستغفر. ذلك أنى لا أفهم كيف يستتاب الإنسان على تفسيره لرواية من الروايات؟ هذا ما لم نسمع عنه فى الإسلام قط، اللهم إلا إذا أراد، غفر الله، أن يصطنع إسلاما جديدا! إنه فى الواقع يعكس الآية، وبدلا من تخطئة محفوظ، إن كان لا بد من تخطئة أحد هنا، نراه يخطّئ من يفهم الرمز فى الجبلاوى على النحو الذى لا أظن أن هناك سبيلا لفهم آخر سواه، ألا وهو أنه يرمز إلى الله سبحانه. ومما استند إليه فى هذا النفى أن الله لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فكيف يصح القول بأن الجبلاوى يرمز إلى المولى سبحانه؟ وهى نفس الحجة التى استند إليها النقّاش فى أن الجبلاوى لا يمكن أن يكون هو الله. وأغلب الظن أن كلام النقاش مأخوذ من كتاب كشك الآنف الذكر (انظر "أولاد حارتنا فيها قولان"/ الزهراء للإعلام العربى/ 1989م/ 50 - 60، 75 وغيرها).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير