تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أجل لو كان كشك جادا فى هذا الذى قال لكان ينبغى أن يكون المستتاب هو محفوظ لا غيره. ألم يقل لجورج طرابيشى حينما فسر الجبلاوى بأنه هو الله إنه قدم أصدق تفسير للرواية؟ وبهذا ينهار كلام رجاء النقاش أيضا، إذ ها هو ذا صاحب الرواية يقر بما يجتهد النقاش فى نفيه. وهكذا "قطعتْ جَهِيزَةُ قول كل خطيب"! وعلى كل حال فإن الأستاذ كشك، على قوة ما كان يكتب أحيانا فى الدفاع عن الإسلام وفضح الشيوعيين وغيرهم من أعداء الأمة، كانت له بعض الشطحات التى لا أدرى كيف سولتها له نفسه كالقول بأنه سيكون هناك لواط فى الجنة ما دام فى الدنيا من يحبه. ولكن كان عليه أن يسأل نفسه أولا: هل اللوطيون سيكونون من أهل الجنة أصلا؟ وإذا غفر الله لبعضهم، وهو الغفور الرحيم، أتكون نزغاتهم الشيطانية الشاذة المقرفة معيارا من المعايير التى تُرَاعَى فى تحديد متع الجنة وتوفيرها لأهلها؟ إنه والله لمنطق عجيب! ودعنا الآن من أنه لا يوجد أى نص فى القرآن بذلك. كما أنه من المضحك أن يدمر الله قوم لوط جَرّاء ممارستهم لهذه الفاحشة تدميرا لم نسمع بمثله من قبل ولا من بعد، ثم يفاجأ الناس فى الجنة بأنها مبذولة هناك لمن يريدها من شذاذ الطبيعة منكوسى الذوق والفهم! ولله فى خلقه شؤون!

هذا، وأود أن أورد هنا شيئا من الأحاديث التى تعمل على تقريب بعض صفات الألوهية إلى الذهن البشرى عن طريق التشبيه بالأم والأب وغيرهما من الشخصيات البشرية: "قَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فإذا امرأة من السَّبْي قد تحلَّبَ ثديها تَسْقِي: إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترَوْن هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه. فقال: لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها"، "الخلق كلهم عيال الله، فأَحَبّ الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله"، "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُ فلم تَعُدْني. قال: يا رب، كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانا مَرِضَ فلم تَعُدْه؟ أما علمتَ أنك لو عُدْتَه لوجدتَني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتُك فلم تُطْعِمني. قال: يا رب، وكيف أُطْعِمك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتُك فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أمَا أنك لو سقيتَه وجدتَ ذلك عندي؟ ". كذلك ترمز الأناجيل لله فى بعض الأحيان بكلمة "الأب": "أبانا الذى فى السماوات"، "أبوكم السماوى"، "أبوكم الذى فى السماوات". والمقصود أنه هو كافلنا الذى يحمينا ويرزقنا ويقوم بحاجاتنا ويرحمنا ويعطف علينا. ومعروف أن "الأب" قد يُطْلَق على الجد كما فى قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ"، مع أنه بطبيعة الحال ليس له إلا أب واحد هو يعقوب، أما إسحاق وإبراهيم فهما جدان له: واحد قريب مباشر هو إسحاق، وواحد غير مباشر هو إبراهيم. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسَمِّى نفسه: "ابن عبد المطلب". ويبدو أن محفوظا رمز للمولى عز شأنه بالجد لا بالأب باعتبار أن خلقنا الآن لا يتم على نحو مباشر، بل عن طريق التناسل والولادة، على عكس خلق آدم، الذى ذكر الله سبحانه وتعالى أنه قد خلقه بيديه الكريمتين، أى خلقا مباشرا: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ" (ص/ 75). فكأن الجد رمزٌ إلى أن الخلق لا يقع الآن بطريقة مباشرة مثلما أن الجد ليس أبا مباشرا، بل أبا للأب. أى أن الأب يقوم بيننا وبين الجد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير