تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحين أوشكت الزيارة أن تتحول بهذا الحوار العفوي الى ندوة تدخل الأستاذ أحمد فراج قائلاً في حماسة: كم كنت أتمنى أن يسمع الناس، كل الناس، هذا الحوار الهادئ حول هذه القضايا الساخنة. وأرجو أن يأذن لي الأستاذ نجيب محفوظ بتسجيل هذا الكلام كله مرة أخرى في ندوة تلفزيونية قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر توضع بها النقاط على الحروف، ويعرف الناس، الموافق منهم والمخالف، حقيقة رأي الأستاذ نجيب محفوظ الذي عبر عنه الآن، كما عبرتْ عنه رسالته الوجيزة إلى ندوة "الأهرام".

قال الأستاذ نجيب محفوظ: إني شاكر ومقدِّر هذا الاهتمام، ولكنني أشفق على نفسي من فتح باب الأحاديث التلفزيونية، وأنا لا أزال في نقاهة لا تحتمل مثل هذا المجهود. ولكنني، بدلاً من هذا، أقترح أن يكتب الدكتور كمال أبو المجد هذا الحوار الذي دار كما دار، وسأكون راضيا عن ذلك كل الرضا.

وفي إطار هذه الرغبة الموثقة بإذن صريح من الأستاذ نجيب محفوظ، وبشهادة ثلاثة من ضيوفه الكرام، وُلِدَتْ فكرة هذا المقال الذي هو عندي شهادة أرجو أن أدرأ بها عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسَوْن أن الإسلام نفسه أدرج كثيرا من الظنون السيئة فيما دعا إلى اجتنابه من آثام، كما أدرأُ عن تلك الكتابات الصنيعَ القبيحَ الذي يصرّ به بعض الكتّاب على أن يقرأوا في أدب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من أفكار، وما يتمنَّوْن أن يجدوه في تلك الكتابات، مانحين أنفسهم قوامة لا يملكها أحد على أحد، فضلاً عن أن يملكها أحد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي أنعم بها عليه الله.

أدعو الله أن يتم على أديبنا الكبير نعمة العافية حتى يمسك القلم من جديد مواصلاً عطاءه الأدبي الذي يُغْنِي العقل والوجدان، وواهبا ما بقي من عمره المديد بإذن الله لتجلية الأمرين العظيمين اللذين أشار إليهما في رسالته إلى ندوة "الأهرام": الدين، الذي به هداية الناس وراحة النفوس، والذي يُفِيء ألوانا من المحبة والسماحة ودفء العلاقات والتسابق إلى الخير على حارتنا الكبيرة مصر. والعِلْم، الذي تحيا به العقول، والذي هو مفتاح أمتنا وكل أمة إلى أبواب المستقبل الذي تتزاحم اليوم أمامها شعوب الدنيا كلها لتكون لها مكانة في ساحته التي تتشكل معالمها الجديدة يوما بعد يوم".

وتعليقى على هذا الكلام هو: أولا أن الدكتور أبا المجد ليس متخصصا فى النقد الأدبى، بل هو إلى عالِم الدين أقرب، إذ هو متخصص فى الحقوق، أى القانون والشريعة. فلا فرق إذن بينه وبين واحد كالشيخ الغزالى بمقياس الأستاذ النقاش، وإن كان بنفس المقياس ينبغى أن يكون ما يكتبه أقل فى القيمة مما يسطره قلم الدكتور أحمد الشرباصى المتخصص فى اللغة والأدب والنقد. ومع هذا فقد رحب النقّاش بما قاله أيما ترحيب، ناسيا أنه كان ينبغى ألا يكون هناك مكيالان للكيل بل مكيال واحد. لكنه إنما يريد الانتصار لما يريد أن يقرره لنا بأى ثمن بغض النظر عن مخالفته للحقائق. ومع هذا فلا بد من المسارعة إلى القول بأننى لا أشارك النقّاش فى أنه لا ينبغى أن يتناول الرواية إلا متخصص فى الأدب والنقد، بل كل ما أردت قوله أنه للأسف لا ينسج على منوال واحد. أما ما يكتبه الدكتور أبو المجد فهو مثل أى كلام يكتبه أى مؤلف، وسبيلنا معه هو قراءته وتحليله لمعرفة مدى صوابه أو خطئه. وثانيا فإننا نجد، بعد قراءة ما كتبه وتحليله، أنه للأسف يتناقض فى لب شهادته تناقضا ساطعا، إذ فى الوقت الذى يؤكد فيه "أنني قرأت "أولاد حارتنا" منذ سنوات عدة، وأذكر أنني تعاملت معها حينذاك على أنها رواية وليست كتابا، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور أبدا أن كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال أو تشير إليها تلك الرموز" نراه يضيف عقب ذلك أن "الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها إلى يومنا هذا، والذي رأيته معبرا عن موقف كاتبها الذي يريد إيصاله إلى قرائه، هو تتويج حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة "الحارة"، التي ترمز للمجتمع الإنساني، إلى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد: "الجبلاوي" حتى وإن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير