تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحبارهم كـ «أُبَيِّ بن كعب» (54) و «مُخَيْريق» و «عبد الله بن سلام». أما بالنسبة إلى مسألة التفوق الاقتصادي، فإن أموال الغنائم لم تكن لتترك المسلمين بحاجة إلى ما في أيدي اليهود. ومعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان زاهدًا في المال، وليس من المعقول أن يخطط لقتل بني قريظة ليوزع بعد ذلك أموالهم على المسلمين الذين لم يكونوا حينئذٍ فقراء كما أوضحنا. ثم لو كانت الرغبة في الاستيلاء على أموال اليهود هي دافعه عليه السلام إلى قتلهم، فلم لم يقتل من قبل بني قينقاع أو بني النضير؟ وإذا قيل إن مشاعر الغيظ والكراهية عنده تجاه اليهود كانت تتصاعد وتشتد مع مرور الزمن، لقد كان الأحرى إذن أن ينكِّل بيهود خيبر، الذين حاربهم بعد بني قريظة، تنكيلا لا يغادر منهم كبيرًا ولا صغيرًا ولا رجلًا ولا امرأة. بيد أن عقوبته لهؤلاء اليهود كانت أخفُّ كثيرًا من عقوبات نظرائهم السابقين، بل أخف مما طلبوه هم أنفسهم (55). وانظر عدله واحترامه عليه السلام لإرادة اليهودي الذي كان له دَيْنٌ عند جابر بن عبد الله ورفض شفاعة النبي له، فأعطاه عليه السلام حتى أرضاه، وكيف أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي كان قد استدان منه طعامًا. ثمَّ إن الرسول لو كان طامعًا في ثروات اليهود لما أفلت أية فرصة يمكنه فيها أن يستولي على أموالهم، ومع ذلك فقد رأينا من قبلُ رفضه عليه السلام للغنم التي كان يرعاها خادم لليهود وأحضرها للرسول عند إسلامه أثناء حصار خيبر، فأمره بأن يعيدها إليهم. وإليك قصة أخرى تبين إنصافه وتحرُّجه عليه الصلاة والسلام من أخذ أي شئ منهم بغير حق: «أصيب عبد الله بن سهل بخيبر، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمرًا، فوُجِدَ في عينٍ قد كُسِرَت عنقه ثم طرح فيها، فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكروا له شأنه، فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن بن سهل، ومعه ابنا عمه حُويِّصة ومُحَيِّصة ابنا مسعود، وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنًّا، وكان صاحب الدم، وكان ذا قدم في القوم. فلما تكلم قبل ابني عمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبِّر، كبِّر (أي دع من هو أكبر منك يتكلم.) فتكلم هو بعد، فذكروا لرسول الله قتل صاحبهم، فقال الرسول: أتسمُّون قاتلكم (أي هل تستطيعون أن تذكروا بالاسم أحدًا تتهمونه) ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فنسلمه إليكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنحلف على ما لا نعلم. قال: أفيحلفون بالله خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلًا ثم يبرأون من دمه؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنقبل أيمان يهود. ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم. فوداه (أي دفع ديته) رسول الله من عنده مائة ناقة (56). إن رسولًا يربي أتباعه على هذه التربية السامية التي تمنعهم من أن يحلفوا على قاتل لم يشاهدوه بأعينهم، رغم تأكدهم أن القاتل واحدًا من اليهود ورغم العداوة التي بين الفريقين وانعدام الثقة في اليهود ودينهم لدى المسلمين، لهو رجل جدير أن يعلو فوق الشكوك والاتهامات. وقد كان بمستطاع الرسول، لو أراد، أن يُلْزِم اليهود بدفع الدية تحت أي حجة، وليس بأضعفها أن القتيل قد وُجِدَ في إحدى عيونهم وأنه لم تكن بينه وبين أحدٍ آخر عداوة، وإلا لذكر ذلك للرسول أولياء دمه، ولكنه عليه السلام آثر أن يدفع الدية من ماله (57).

أما الاتهام الثاني فهو عدم احترامه عليه السلام لمعاهداته مع مشركي مكة. والحقيقة أن هذا كلام من لا يجد شيئا يقوله، وإلا فالدنيا كلها تعلم أن المشركين هم الذين نقضوا صلح الحديبية برغم أنهم هم الذين أملوا شروطها، ووافقهم عليها النبي ابتغاء السِّلم وليكونوا هم الحكام على أنفسهم إذا غدروا. وكان من جرَّاء هذه الموافقة أن المسلمين حرنوا عليه، ربما لأول مرة، عندما أراد أن يحلق رأسه ويضحِّي الهَدْيَ الذي كان أحضره معه ليذبحه. ولولا أن أم سلمة عليها رضوان الله طيبت خاطره واقترحت عليه أن يقوم فيحلق شعره ويضحي هديه حتى يراه المسلمون فيستحوا منه ويصنعوا صنيعه لظلوا حَرِنين (58). ومعروف كذلك اعتراض «عمر» على شروط الصلح وقولته المشهورة: «علامَ نعطي الدنيَّة في ديننا؟» لقد أملى المشركون شروطهم المتعنتة أشد التعنت، ووفَّى لهم الرسول أعظم توفية أُثِرَت عن إنسان، فردَّ، ولم تكن الاتفاقية قد جف حبرها، مَنْ جاء من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير