تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي بعض الأحيان كان لا يوجد في البيت شئ أصلا. وهذا ثابت مستفيض لا أحتاج إلى أن أحيل القارئ على مصادره. ولا يمكن أن يقول عاقل أبدًا إن هذا سلوك المتعبدين لشهواتهم. كذلك لو كان الرسول عبدًا لشهوة الجنس أكان بمقدوره أن يفطم نفسه عن زوجاته شهرًا حين أبدَيْنَ شيئا من التطلع إلى عيشة أرفه مما كنَّ فيه؟ قد يقال إنه أراد أن يعاقبهنَّ. لكن السؤال هو: ولم يريد أن يعاقبهنَّ أصلا، والشهواني في مثل هذه الحالة يعمل بكل ما في وسعه وما في غير وسعه لإرضاء من يهواهنَّ الفؤاد؟ ثمَّ لو سلمنا بهذا، وهو لا يمكن التسليم به، أفما كان عليه السلام قادرًا على أن يتزوج خلال هذا الشهر الجاف جنسيًّا مَنْ تبُلُّ ريقه وتخفف عنه الحرقات التي بين الضلوع؟ بل إن الولائم التي كان يصنعها في أعراسه عليه الصلاة والسلام كانت تتسم بالبساطة الشديدة، مع أن أموال الدولة كانت كلها تحت يده يقدر أن يغترف منها بالكفين كما يشاء ليرضي زوجاته، وهنَّ بعدُ نساء لا يكرهْنَ، على الأقل، أن يعبر زوجهن عن رغبته بإقامة الولائم الفخمة التي تراق فيها الخمور ويكوم فيها اللحم تكويمًا. لا، ليس هذا سلوكَ شهوانيٍّ متهالك على المرأة. وكذلك ليس شهوانيًّا لئيمًا من تستعيذ منه إحدى زوجاته حين أراد الدخول بها، وكانت حديثة عهدٍ بكفر، فلا يكون ردُّ فعله إن ان يقول: «مَنيعٌ عائذ الله»، ثم يسرحا بإحسان ويردها إلى أهلها معززة مكرمة دون كلمة تسئ إليها أو نية في تأديبها على ما بدر منها (83). للتفكهة ألفت نظر القارئ هنا لما زعمه «واشنجتن إيرفينج» (84) من أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى امرأة جميلة سوى شعره ومسح على حواجبه. ولا أدري من أين أتى بهذه الرواية التي لا تنطبق إلا على المتعطلين الذين يقفون على النواصي يعاكسون العابرات ويحتكون بهن. والغريب أن «إرفينج» نفسه قد وصف الرسول قبل ذلك بصفحة بأنه كان محبًّا للصوم، بسيط الملبس، يكره بطبيعته المظاهر الفارغة. كما وصفه في موضع آخر بأن الصلاة كانت سلوى روحه (85). وفي موضع ثالث، يقف عند بساطة معيشته وبيته كما رسمها «عدي بن حاتم» حين وفد عليه (86)، وهو ما يتعارض تمام التعارض مع الشهوانية. أما بالنسبة لاحتفاظه بزوجاته جميعًا بعد نزول القرآن بتحديد زوجات المسلم بأربع غير ما ملكت يمينه، فأول ما ينبغي أن نذكره هنا هو أن هذا التحديد لم يتم إلا في السنة الثامنة للهجرة، أي في آخر حياة الرسول، وكان قد جاوز الستين وبنى بزوجاته جميعًا فلم يتخذ بعد ذلك زوجة أخرى. وإن المرء ليتساءل: ترى لو كان الرسول متدلها في حب النساء فلِمَ حددهن حينئذ بأربع إذا كان لن يلتزم بذلك التحديد؟ أكانت غايته أن يحرج نفسه بإصدار تشريع لا يلتزم هو به؟ أم يا ترى كان حتى ذلك الحين، أي بعد ثماني سنين من التهالك على النساء كما يصوره أعداء الإسلام، يجهل هذا الضعف في نفسه وأخلاقه؟ إن الرسول لو كان هو مؤلف الوحي لما أصدر مثل هذا التشريع أبدًا حتى لو انطبقت السماء على الأرض، أو على الأقل كان ينبغي عليه أن ينسخه إذا وجد أنه لن يستطيع الالتزام به كما ظن قبلا. ولا يقولن قائل إن النسخ في الشريعة إنما يكون تدرجا نحو الأصعب، فإن القرآن قد توقع من المسلمين في بداية معاركهم مع الكفار أن يهزم الواحد منهم عشرة من أعدائهم ثم خفف ذلك إلى اثنين فقط (87). كذلك شرع القرآن في فترة من الفترات على كل من يريد مناجاة الرسول على حِدةَ أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ ذلك (88). فإذا لم يكن هذا ولا ذاك فلم أصدر مثل هذا التشريع وقد كان التعدد بلا ضابط عُرْفَا متبعا؟ أكان هناك حزب نسائي بين أتباعه يقوم بالضغط عليه ويلوح له بأنه لن يعطيه أصواته في الانتخابات إلا إذا حدد عدد الزوجات؟ أم تمرد عليه أحب أربع زوجاته إلى قلبه وخيّرنه بين التحديد أو تركه واللحاق بأهلهن؟ ولكن من هن يا ترى هؤلاء الأربع الواثقات بأنفسهن كل هذه الثقة؟ ولِمَ لمْ يسرِّح الباقي من زوجاته ويحتفظ بهؤلاء وحدهن وله فيما ملكت يمينه مندوحة عن مخالفة التحديد؟ بل لقد كان يستطيع، مادام نوى أن يصدر هذا التشريع، أن يطبقه على نفسه مع إرضاء شهوته الجسدية بأن يطلق كل زوجاته القديمات اللاتي لم يكن له من واحدة منهنَّ ولد يمكن أن يبقي عليها من أجله ويتزوج بدلا منهن أربعا من أجمل بكارى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير