تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العرب. إن العجيب أن يكون «محمد» شهوانيا إلى هذا الحد الذي يتفنن في تصويره هؤلاء المستشرقون ويخترع مثل هذا الوحي المحرج مع أنه قبل ذلك بسنة واحدة كان قد تزوج «صفية بنت حُيَيّ»، رضوان الله عليها، اليهودية الأصل، وكان يستطيع أن يبقيها أمَة لأنها من السبي. وقبل صفية بسنة اتخذ «جويرية بنت الحارث» زوجة، مع أنها كانت من نصيب أحد المسلمين من سبي بني المصطلق، فكان الأحرى أن يتخذها عليه الصلاة والسلام أمَة، ولكنه لم يفعل هذا أيضا. فهل كان يبحث عن المتاعب يخلقها لنفسه خلقا ليزداد إحراجا فوق إحراج بإضافة زوجتين إلى زوجاته اللائي سيصدر بعد شهور تشريعا لا يسري عليهن؟ إن هذا إنما يدل على التخبط، وهو لم يكن يوما من سمات الرسول عليه الصلاة والسلام.

كذلك فإن الذين يأخذون عليه أنه أعفى نفسه من الالتزام بأربع زوجات يتناسون أن القرآن بعد ذلك بقليل قد نزل يحرّم عليه هو وحده من دون المسلمين أن يستبدل بأي من زوجاته زوجة جديدة، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان له وضع خاص في هذه المسألة، فتارة يلتزم المسلمون بما لا يلتزم به، وتارة العكس. وفي النهاية أود أن أشير إلى أن أحدا من المسلمين أو حتى من المشركين لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك. ولو قد أحس المسلمون أن في الأمر ما يدعو إلى الريبة لما سكتوا، وفيهم «عمر» النقادة، وكان حمًا للرسول ويهمه ألا يكون لبنته كل هؤلاء الضرائر، فيضطر الرسول إلى إصدار تشريع يعفيهم مثله من الاقتصار على أربع زوجات ليسكتهم فلا يسببوا له المشاكل. الحقيقة أنني كيفما قلبت هذه المسألة لا أجد فيها ما يؤخذ على الرسول، فإن السماء هي التي شرّعت، أما هو فلم يشرع لنفسه ولا للمسلمين من عنده شيئًا. وأظنني كنت صريحًا جدا في معالجة الأمر كله سلبا وإيجابا (89).

ويتصل بهذا الاتهام المتهافت ما تلقفه المستشرقون من رواية ضعيفة اخترعها ورواها بعض من ينتسبون إلى الإسلام ولا يقدرون المسؤولية فيما بقولون ويتناقلون، وهي الرواية التي تتعلق بزواج الرسول الأكرم بابنة عمته زينب بنت جحش وتتلخص هذه الرواية في أن رسول الله ذهب يوما إلى بيت زيد في أمر فلم يجده، وكلمته زوجته زينب من وراء الستار وهي تلبس ملابسها على عجل، فإذا بالهواء يرفع الستارة بغتة ليراها الرسول حاسرة، مما كان له تأثير طاغ على مشاعره فانصرف وهو يردد: «سبحان مقلب القلوب!» ولما جاء زيد وعلم من زوجته بما حدث فهم أن الرسول قد عَلِق زوجته، فذهب إليه وعرض عليه أن يطلقها ويتزوجها هو فأمره عليه الصلاة والسلام أن يمسك عليه زوجته ويتقي الله. ولكن الوحي ما لبث أن نزل على الرسول يكشف مشاعره التي حاول عبثا أن يخفيها، ويأمره في صراحة أن يتخذ زينب زوجة. هذا، وقد أضاف «واشنجتن إرفنج» من عنده بعض التوابل، إذ ذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي فاجأ زينب وهي في مباذل البيت، وذلك حين اقتحم عليها خلوتها في بيتها بصفته أبا لزوجها بالتبني، فرأي جمالها مكشوفا أمام عينه المحملقة (90).

وأول شيء أحب أن أسارع فأقوله هو أننا لم نسمع بمثل حادثة الستار هذه في أية رواية أخري عن ذلك العهد، بل إن الستور لم ترخ في بيوت الرسول إلا بعد زواجه من زينب (91) الحقيقة أن هذه رواية من الروايات الغرامية التي هي بامرئ القيس وابن أبي ربيعة أليق. أما ادعاء «إرفنج» بأنه قد اقتحم على زينب خلوتها فليقل لنا أولا من أين له به، فإن مثل هذا السلوك، فضلا عن أنه يجافي خلق الرسول والصحابة، لم يرد ولا حتى في تلك الرواية التافهة التي هي محل كلامنا الآن.

وثمة نقطة هامة جدا في قصة زينب هذه هي أنها وأهلها كانوا قد رفضوا رفضًا باتًّا أن تتزوج زيدًا، الذي لم يكن إلا عبدًا للرسول أهدته إليه خديجة عند زواجها فأعتقه عليه السلام، بينما زينب هي ابنة عمة «محمد» زعيم المسلمين وحاكمهم ورسول السماء، وأسرتها من أرفع أسر قريش عزةً ومكانةً، ولولا أن وحيًا قرآنيًا شديد اللهجة قد نزل في زينب وأهلها يعنفهم على هذا الرفض ما رضيت ولا رضوا أبدا. والشاهد هنا أن هذه هي المرة الوحيدة تقريبا التي أرغم فيها الرسول امرأة على التزوج ممن لا تريد (92)، فإن الشريعة الإسلامية تتشدد في هذه المسألة حتى إن فتاة ذهبت إلى الرسول تشكو له من أن أباها قد زوجها من ابن عمها ليرفع بذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير