تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الزواج خسيسته، ففكَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عقد الزواج بسبب رفض الفتاة، التي عادت بعد فسخ العقد فأعلنت موافقتها قائلة إنها إنما فعلت ذلك ليعرف الآباء أن لبناتهم إرادة مستقلة لا يجوز لهم أن يجوروا عليها (93). بل إن الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام لم يحاول، ولو من بعيد، إرغام زوجته التي استعاذت بالله منه (وكانت حديثة عهد بكفر) على البقاء في عصمته، وإنما سرحها تسريحا جميلًا وفضلا عن ذلك فلدينا حالة بريرة، وكانت أمَة فأُعْتِقت، وعندئذ أعلنت أنها لا تريد البقاء مع زوجها، الذي أخذ يجوب شوارع المدينة وراءها وهو يبكي من فرط تعلقه بها، وقلبها لا يرق له. وعبثا حاول الرسول عليه الصلاة والسلام الشفاعة له، فقد أصرت على أن ينفصلا، فكان لها ما أرادت (94). فأين بريرة من زينب سليلة العز والشرف؟ ولماذا ينزل وحي فيها هي وأهلها خاصة يرغمهم على أن يرضوا بالزوج الذي اقترحه الرسول عليهم وهو عبد عتيق؟ ألا إن في الأمر سرا سوف ينجلي حين ينزل وحي آخر يرغم الرسول عليه الصلاة والسلام بدوره على أن يتزوج زينب هذه. ولكن فلننتظر قليلا.

ثم لو أن الرسول كان طالب شهوة فلِمَ لمْ يدخل البيت عندما رأى زينب على تلك الهيئة المزعومة (فهو على كل حال ابن خالها) ويتودَّد إليها متظاهرا بأنه يريد أن يكَفِّرَ عن إرغامه إياها على الزواج من زيد، وبخاصة أن العلاقة بينها وبين زوجها لم تكن على ما ترام بسبب إحساسها أنها مغموطة في هذا الزواج، ثم يتخذها (أستغفر الله) عشيقة، وهي بعد ليست إلا زوجة لمن كان في يوم من الأيام له عبدا فمنَّ عليه بالحرية وقربه منه، أما هو فزعيم الأمة وحاكمها المطلق على زعم المستشرقين، أمره مطاع ولا يتورع عن تلفيق الوحي لتسويغ ما يريد. إن القارئ يمكنه أن يتصور منطقية هذا الجدل إذا وضع في ذهنه أن مَلِكا حَسُنَتْ في عينه زوجة خادمه أو سائقه مثلًا، وكان هذا الملك لا يبالي بخلق ولا عُرْف كريم، فماذا تراه فاعلًا إلا أن يأمرها بأن تتبعه إلى فراشه فتفعل؟ وذلك بدلًا من أن يتزوجها وينزل في نظر الناس من عليائه إلى اتخاذ امرأة خادمه زوجة له. ثم إن هناك في المسألة جانبا خطيرا أشد الخطورة، فإن العرب لم تكن تُقر قط مثل هذا الزواج، لأن التبني في نظرهم كان هو والأبوة الطبيعية شيئًا واحدًا. وهذا هو لب المشكلة كلها، ومن ثمة نستطيع أن نفهم تردد الرسول وعدم رغبته في إتمام هذا الزواج، كما هو واضح من قوله تعالى {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (95) الذي فهمه رودنسون على أنه إشارة إلى أن «محمدًا» قد خاف أن يعرف الناس تعلق قلبه بزينب ووقوعه في هواها منذ نلك النظرة المزعومة (96)، مع أن له تفسيرا آخر يتسق مع تحليلنا هذا الذي نراه أقرب تماما إلى المنطق، ولا ندري لِمَ لمْ يشر إليه بكلمة واحدة، وهو أن الرسول لم يشأ أن يواجه الناس بأن عليه أن يتزوج زينب. لكنَّ وحي الله ينبغي أن يُبلغ للناس مهما تكن مرارته، وشرع الله لابد أن يطبق مهما يتعارض مع التقاليد الحديدية. وليكن أول من يطبق هذا التشريع هو الرسول نفسه على رغم ما سوف يثيره من لغط لما سيسببه للناس من صدمة شديدة. أما الادعاء بأن نظرة واحدة مباغتة لزينب، ولما تكن قد استكملت ارتداء ملابسها، قد زلزلت قلب «محمد» فمن الصعب جدًا قبوله. لماذا؟ لأن الرسول هو الذي أرغمها على الزواج من زيد، وكان ذلك منذ وقت قريب. فما الذي تغير فيها في هذه المدة القصيرة جدا حتى ترج كيانه نظرة إليها؟ لو أنه عليه الصلاة والسلام لم يرها منذ طفولتها ثم فوجئ بها امرأة ناضجة الأنوثة لقلنا: هذا معقول، فإن فترة المراهقة تُحدث من التغييرات في الفتيات الأعاجيب. أما أن تتغير امرأة ناضجة فعلا في هذا الزمن الوجيز فهو غير معقول، وبالذات إذا عرفنا أن زينب لم تكن راضية عن زوجها ودائما تعيره بأنها أشرف منه، لأن مثل هذه الزوجة لا تجد في حياتها الزوجية دافعًا إلى الاهتمام بشكلها أو ملابسها أو زينتها، وهي الأشياء التي يمكن أن تجعلها تبدو جميلة إذا لم تكن كذلك، أو تزيدها، إن كانت، جمالا فوق جمال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير