تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القصة تمضي فتقول إن «محمدًا» عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما وقع بصره عليها وهي في حالتها تلك، قد انصرف من فوره وهو يردد: «سبحان مقلب القلوب!» فقف معي هنا أيها القارئ وقل لي: علام تدل هذه العبارة؟ ألا تدل، حتى بفرض صحة هذه الرواية، على أن الإيمان بالله كان يملأ قلب «محمد» عليه الصلاة والسلام، وأنه كان يرى ربه مطلق المشيئة؟ تُرى أهذه مشاعر دجال يزعم كذبًا أنه متصل بالله يأتيه الوحي من لدنه بينما هو في الحقيقة يلفق هذا الوحي ليحقق به شهواته؟ على أية حال لقد رجع محمد، بناء على هذه الرواية، ولم يفكر ولو لحظة في الدخول على زينب برغم أن البيت كان خاليا عليها. إن رد الفعل الطبيعي هنا، مادام «محمد» أسيرا لشهوته كما تصوره كتابات المستشرقين، هو أن يدخل وينفرد بمن زلزلت كيانه، حتى لو كان كل ما سيفوز منها حينذاك هو مجرد الأنس بالحديث معها ساعة وملء العين من جمالها إلى أن يعود الزوج المسكين من الخارج.

ولنفترض أن «محمدًا» قد أخطأ خطأ العمر حين ترك هذه الفرصة الغالية تفلت منه فانصرف بدلا من أن يدخل، فلم لم يهتبل تلك الفرصة الأخرى التي قدمها إليه في منديل من حرير الزوج الساذج السادر في حب سيده غفلةً منه وحمقًا، أستغفر الله، حين أتي إليه توَّ علمه بالحادثة وعرض عليه بإخلاص السذج وحرارة الحمقى أن يتنازل له عن زوجته، التي وقعت في قلبه موقعًا؟ لقد كان جواب الرسول على هذا العرض هو «أمسك عليك زوجك واتق الله» أتراه كان يتردد خوفا من كلام الناس، حتى إذا ما تهيأ الرأي العام لذلك لم يجد غضاضة في قبول العرض؟ لكن هذا الأمر قد ظل سرا بين أطراف هذا المثلث فلم يبلغ آذان الرأي العام، ولم يتهيأ من ثمة هذا الرأي العام لذلك الأمر الجلل. ثم ألم يكن أفضل من هذا كله وأسرع وأبلغ بمحمد إلى غرضه وشهوته أن يتفاهم مع زوجة عبده السابق على ترتيب لقاء سري بينهما كلما سنحت الفرصة بدلا من وجع الدماغ هذا والدخول في هذه المتاهات المعقدة والتعرض لألسنة الناس؟ أم تراه حين أخطأ وأفلت فرصة الخلوة بها قد فاته أيضا أن يلجأ إلى حيلة داود على حسب ما يرويه الكتاب المقدس، الذي يتهم هؤلاء المستشرقون أنفسهم سيدنا رسول الله بالسرقة منه، فيرسل زيدًا في غزوة من الغزوات المهلكة بعد الاتفاق مع واحد من أصحابه الذين يغارون منه على أن يضعه في مقدمة الصفوف عرضة لرماح الأعداء وسهامهم وسيوفهم كي يموت، بالضبط كما فعل داود مع أوريا قائده المقرب إليه عندما وقع له شيء مشابه لما وقع لمحمد على حسب هذه الرواية الملفقة، على رغم أنه، على عكس محمد، قد أروى غلته من امرأة هذا القائد قبل أن يرسله إلى الحرب ليموت هناك ويخلو له بذلك وجه الزوجة؟ لقد فعل داود هذا بقائده المقرب إليه، فلم لمْ يفعله «محمد» مع عبده السابق؟ إن التخلص من عبد سابق لأهون ألف مرة من التخلص من قائد له مكانته الاجتماعية والسياسية الرفيعة مثل أوريا (97). أم تراه عليه الصلاة والسلام لم يكن يسرق من اليهود إلا الأفكار الطيبة بينما يعف عن الأفكار الشريرة؟

على أنني مازلت أرى أن من المستحيل أن يكون الأمر قد تم على النحو الذي تزعمه تلك الرواية المتهافتة، فقد كانت علاقة الحب المتبادلة بين «محمد» صلى الله عليه وسلم وزيد من المتانة والعمق والرسوخ حتى إن زيدًا في صباه قد فضله على أبيه وأمه وكل أهله الذين لم يكن قد رآهم منذ اختطف وبيعَ بَيْعَ العبيد وتقاذفته المقادير حتى استقر في يد محمد، ورفض أن يرجع معهم حين خيره النبي بين البقاء معه أو الذهاب مع أهله (98). ولم يؤثر عنه بعد ذلك قط أنه حنَّ إلى أهله مرة. ترى أيمكن أن يبلغ الحب من قلبه هذا المبلغ المستحيل لو أنه شام من «محمد» ريبة على مدى هذه السنوات الطويلة؟ أم ترى كان يبقى بعد هذه الحادثة معه عليه الصلاة والسلام لو أن مجرد صدى هاجس خافت قد عبر قلبه؟ أم ترى محمدًا، وهذه أبوته لزيد الذي رباه على يديه وسقاه من كؤوس حنانه الصافية منذ كان صبيًّا حتى أصبح الآن رجلا فأرغم بنت عمته هو، الزعيم والحاكم المطلق السلطان، على الزواج من هذا العبد السابق، يمكن أن يقع في مثل هذا الغرام المشتعل فجأة مع زوجة ابنه؟ أم تراه، بافتراض صحة وقوعه في هواها من مجرد نظرة عابرة، كان يرضى أن يتزوجها لولا أمر السماء له بأن يكون أول من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير