تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوما قال: «اللهم نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم» (105) وعند لبسه ثوبا جديدا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه. أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» (106) وإذا أوى إلى النوم قال: «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت» (107)، وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور» (108). ومن أدعيته عليه الصلاة والسلام: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» (109). وكان يدعو وهو داخل المرحاض أو خارج منه. وقلما قام عليه الصلاة والسلام من مجلس إلا ودعا قائلا: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» (110). ترى لو كان «محمد» كذابا أكان يعترف هكذا أنه، وهو رسول الله الذي يتنزل عليه الوحي من السماء، يحتاج إلى بذل الجهد للفوز بالجنة، ويعلن خوفه من المعصية على هذا النحو؟ وهل يمكن أن يفنى الكاذب الدجال في ربه على هذا النحو العجيب؟ وكان دعاؤه للمرضى: «اللهم رب الناس، أذهب اليأس واشف، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» (111) أما أدعيته وصلواته عند الكسوف والخسوف والاستسقاء وموت أحد الناس فمعروفة في جميع كتب الفقه. وفي آخر لحظات حياته كان دعاؤه: «اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى» (112). فهل هذا كلام مزيف محتال؟ أم هل يُقبل المزيف المحتال على الموت بمثل هذا التعلق بالله، الذي يكذب عليه ويضع الوحي وينسبه إليه؟ كذلك كان يطلب من بعض صحابته أن يدعوا له، كما هو الحال مثلا عندما قال لـ «عمر بن الخطاب»: «لا تنسنا من دعائك يا أخي» (113). ومن ذلك طلبه من المؤمنين أن يسألوا له الوسيلة رجاء أن تكتب له (114). أما القرآن فكان ربيع قلبه، كما كان يبكي أحيانا لدي سماعه (115). وهل رؤي كاذب يبكي لسماعه كلاما يعلم في قرارة نفسه تمام العلم أنه هو الذي زوره ونسبه إلى الله؟ اللهم إلا إذا قيل إنه كان عليه الصلاة والسلام ممثلا بارعًا. لكن تحليل شخصيته واستقصاء دقائق حياته يبعدان عنه تماما شبهة التظاهر بالبكاء من غير تأثر حقيقي. ليس هذا فقط بل كان عليه الصلاة والسلام يَرْقِي نفسه بالقرآن، وعندما يأوي إلى فراشه كان يقرأ المعوذتين ويمسح بهما جسده (116).

أما بالنسبة لعبادته صلى الله عليه وسلم فقد أعلن أن الصلاة هي قرة عينه، بل كان يبكي أحيانا وهو يصلي (117). ولم يكن عليه الصلاة والسلام يكتفي بالمفروضة على ما في صلاة الفجر وحدها من ترك الفراش الدافئ وبخاصة في ليالي الشتاء واستعمال الماء البارد في الوضوء. ويتنبه «كِلِتْ» إلى هذه النقطة من شخصيته فيشير إلى أنه ظل يؤدي الصلاة حتى اللحظة الأخيرة من حياته (118). بل كانت له نوافل عند كل صلاة، وذلك غير صلاة القيام والضحى. و كان لا يدع هذه النوافل حتى في الحرب أو المرض أو وهو مسافر راكب حماره أو بعيره. وتأمل كيف أنه، وقد فتحت جيوشه مكة معقل الوثنية الأعظم (مكة التي أخرجته من بيته وبلده وتآمرت على قتله وناصبته الحرب الضروس طيلة هذه الأعوام، مكة أبي سفيان وهند وأضرابهما)، لا يزدهيه هذا النصر فينسيه ربه ولو للحظة من نهار، بل يبادر فيصلي الضحى ثماني ركعات، مما يدل على أنه كان موصول القلب والضمير بالله مشدودا إليه بأمراس من الإيمان لا تنقطع أبدًا (119)، ولم يكن يُخْرج الزكاة فقط، بل كان يخرج كل ما يصله من مال على كثرته، كما كانت زوجاته اللائي اتُّهم بأنه تزوجهن زواج الشهوة المغتلمة يخرجنها مضاعفة، وذلك على عكس زوجات الكذابين الذين يتوسلون بالدين وبالدعوات النبيلة لاحتبال أموال الآخرين والتنعم بها خلف أسوار قصورهم المبنية من عرق الكادحين المخدوعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير