تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سيرحبون بهن كل الترحيب، إن لم يكن من أجل شيء فمن أجل استغلالهن في الدعاية ضد الدين الجديد الذي ابتدأ يهدد عروشهم (162).

والآن بعد أن أثبتنا أن «محمدًا» لا يمكن أبدًا أن يكون كاذبًا، وبعد التحليلات التاريخية والنفسية المطولة والمفصلة التي أثبتنا بها ذلك على نحو قاطع لا يحتمل لجاجة ولا ترددًا، فإننا سوف نعد ما مر كله كأنه لم يكن، وسنقلب الورقة على وجهها الثاني لنرى إن صحت التهمة، وهذا مستحيل، كيف ألف «محمد» قرآنه المزيف ومن أين استقاه، ومن الذين أعانوه. ألم يُتّهم عليه الصلاة والسلام من أعدائه منذ أن دعا إلى دين الله حتى الآن بأنه أخذه عن قوم آخرين؟

لقد اتهمه كفار مكة بأنه إنما يعلمه بشر، وأن الوحي ما هو إلا أساطير الأولين اكتتبها (163). فأما التهمة الأولى فإن القرآن يدحضها على أساس أن المعلم المزعوم كان أعجمي اللسان، إذ لم يكن يستطيع من العربية إلا ما يقوم بحاجاته العامة، ومن ثم فمظنة مناقشته والأخذ والرد معه من قِبل الرسول عليه السلام مستحيلة (164). ولو كان رد القرآن على هذه التهمة غير صحيح لما سكت الكفار عليه بل فنّدوه، وعندئذ كان القرآن سيسجل التفنيد ويرد عليه بدوره كما هي عادة الوحي، فما من شيء رمى الكفار أو غيرهم من أعداء الإسلام الرسول به إلا حفظته آياته، لم يشذ أي شيء عن هذا، كذلك فإن الملاحظ أن الكفار لم يحددوا شيئًا بعينه في القرآن قد تعلمه من هؤلاء، وإنما هو كلام عام عليه مسحة الرغبة في التشويش على الدعوة الجديدة ورسولها عليه السلام. وإن الذي عنده دليل لا يكتفي أبدًا بمثل هذه التهمة، بل يقصد قصدًا التحديد، ويأتي بالشهود، ويعين الزمان والمكان والظروف التي لابست الواقعة. وليس شيء من ذلك في كلام الكفار. أما الذين قيل إن الرسول عليه السلام قد اتُّهم بالتعلم على أيديهم فبالنسبة لمن أسلم منهم فإن إسلامه دليل على كذب هذه التهمة، إذ لا يعقل أن يتابع الأستاذ تلميذه فيما علمه إياه ويكتم الحقيقة بلا أي سبب، فإن رسول الله في ذلك الوقت لم يكن يملك لغيره رغبة ولا رهبة (165). أما من لم يسلم فلماذا سكت فلم يفضح «محمدًا» هذا الذي تعلم عليه ما تعلم ثم انقلب فادعى أنه نبي وخطّأ دين أستاذه؟ وذلك كله على فرض أنه كانت هناك وسيلة اتصال لغوية كافية لتأدية مهمة التعليم المزعومة هذه، وهو افتراض مستحيل كما سبق أن بيّنا.

أما الاتهام الثاني فإن من الملاحظ أن القرآن لا يقف عنده بل يكتفي بوسمه بالظلم والزور، مؤكدًا أن الوحي منزل من عند الله (166). أيًا ما كان الأمر فلو كان ها الاتهام صحيحًا لردده «عبد الله بن جحش» (الذي تنصر في الحبشة بعد إسلامه) هو ورسولا قريش على مسامع النجاشي حين ذهب هذان لتأليبه على المسلمين المهاجرين لديه، أو لردده أبو سفيان ومن معه أمام هرقل حين سألهم عن «محمد» وعن صفاته. وقد كانت هاتان فرصتين ثمينتين للدعاية ضد دعوة محمد. بيد أن قريشًا كانت تعرف أنها تكذب وتتقول رغبة منها في التشويش بالباطل على دعوة الإسلام، وإلا فإذا كانوا صادقين لم آمنوا بمحمد بعد ذلك وحاربوا أعداء دينه ولم نسمع أحدًا منهم بعد قط يردد هذه التهمة القديمة ولو من باب استعادة الذكريات؟ وهنا نقطة مهمة، فإن المستشرقين يزعمون أن الرسول عليه السلام كان يستطيع القراءة والكتابة. وهم يريدون من وراء ذلك أنه كان يقرأ الكتب السماوية السابقة وما إلى ذلك، وأنه قد تعلم منها. وهو مزعم متهافت، فإن القرآن قد وصفه في موضع بـ «النبي الأمي» (167). كما أكد في موضع آخر أنه لم يكن يتلو قبل نزول القرآن عليه من كتاب أو يخطه بيمينه (168). ولو كان كلام القرآن غير صحيح لما سكت الكفار، ولسجل القرآن نفسه كالعادة رده عليه. إن «ألفريد جيوم» مثلًا يشكك في أمِّيَّة النبي عليه الصلاة والسلام، وحجته أنه من غير المعقول أنه كان يطمئن إلى أحد غيره في قراءة الفواتير أيام اشتغاله بالتجارة، أو في قراءة ما يرد إليه من رسائل بعد ذلك عندما أصبح نبيًّا. كما أن إحدى الروايات المبكرة تعزو إليه الكتابة يوم صلح الحديبية. وهو يفسر آية: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} بأن المقصود بذلك هو كتب اليهود والنصارى، وان أميته (إن صح ما تقوله الآية) إنما استمرت إلى بداية رسالته فقط (169).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير