تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من «إرفنج» أو من كليهما؟ لقد سفّه «كارلايل» احتمال أن يتعلم صبي في هذه السن من راهب يتحدث لغة أجنبية شيئًا ذا بال (176). ومع ذلك كله فإن السيرة لم تتحدث عن أي تعليم بين «بحيرا» و «محمد». ثم فلنفترض أن «بحيرا» قد لقنه (بأية لغة؟ لا ندري) أشياء من النصرانية، فأين كان «بحيرا» يوم ادّعى «محمد» أنه أتى بدين جديد يخطّيء فيه دين «بحيرا»؟ أو أين من شاهد «بحيرا» أو سمع منه أو من غيره أن هذا النبي الجديد كان تلميذًا في صباه لذلك الراهب؟ لماذا لم ينْبَرِ «بحيرا» أو غيره ليكشف زيف هذا النبي ويبين المصدر الحقيقي لما يزعم أنه وحي من السماء؟ أكانت الدولة البيزنطية أو الدويلات العربية على حدودها تسكت على «محمد» وعلى مزاعمه ورسائله التي أرسلها إلى «هرقل» وغيره من ملوك العالم المحيطين بالجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام فلا تحاربه أو تحارب خلفاءه بهذه الورقة؟ إن ذلك لغريب!

ولا يكتفي المستشرقون بتضخيم هذه المقابلة التي ترويها كتب السيرة بين الصبي «محمد» وبحيرة الراهب والتي يجعلون من حبتها قبة ضخمة تناطح السماء (177)، بل يؤكدون أنه لابد أن يكون قد عرف في رحلاته التجارية بعد ذلك إلى الشام واليمن أشياء كثيرة من اليهود والنصرانية. وهم كعادتهم لا يشيرون إلى شئٍ محدَّدٍ جاءت به الروايات الموثقة أو حتى غير الموثقة، بل يكتفون بإطلاق القول على عواهنه. وفاتهم أن «محمدًا» في هذه الرحلات لم يكن وحده بل كان معه مواطنون من مكة، فلماذا لم يتحدثوا عن شئ من ذلك؟ لقد كان ما وجهوه إليه من اتهام هو أنه كان يتعلم من بعض الرقيق الأجنبي المقيم بمكة والذي لا يستطيع التفاهم بالعربية إلا في أضيق نطاق. وأين كان ميسرة من هذا كله، وهو الذي كان ملازما له؟ ثم ألم يتذكر فيما بعد أحد من الدولة البيزنطية أومن اليمن ممن شاهدوه واختلطوا به وتناقشوا معه في هذه الرحلات أن النبي الجديد ليس إلا ذلك التاجر الذي كان يفد إلى بلادهم فيشترى منهم عروض التجارة ويأخذ معها الأفكار اليهودية والنصرانية؟ أم ترى قد طمس الله على ذاكرتهم؟ إن اللافت للنظر أن المستشرقين لا يثبتون على حل واحد، فقد كانوا يقولون أولا إن الإسلام مأخوذ من اليهودية وإلى حد ما من النصرانية، ثم عادوا فقالوا إنه مأخوذ أساسًا من نصرانية السريان، ولكنهم مع ذلك لا يقدمون أبدا دليلا موثقا على هذا الأخذ ولا يرسمون لنا الطريق الذي سلكته هذه الأفكار حتى وصلت إلى محمد، بل هي مجرد تخمينات (178)، مما يدل على أنهم قد عقدوا العزم منذ البداية، مثل مشركي مكة وكفار العرب بالضبط، على تخطئة «محمد» والسلام. لقد وفد على الرسول نصارى من نجران فناقشهم وأراد أن يحسم الأمر معهم فدعاهم، لو كانوا صادقين، إلى المباهلة، أي أن يبتهلوا جميعا (هو وهم ومعهم ذووهم نساءً وأطفالا) ويجعلوا لعنة الله على الظالمين، فنكصوا على أعقابهم ونزلوا على شروطه ولم يدخلوا معه في هذه المباهلة، وهو ما يوحى بخبيئة نفوسهم أيما إيحاء. ترى لمَ لم يحرجه نصارى نجران منذ البداية فيقولوا له إنهم يعرفون أنه هو ذلك التاجر الذي كان يتردد على بلادهم وكنائسهم ويتعلم على رهبانهم ويغلقوا بذلك باب المباهلة ودفع الجزية لو أن شيئا من ذلك قد حدث؟ (179) ثم أكان أبو عامر الراهب، الذي كان يحقد على الرسول أشد الحقد والذي كان المنافقون يجتمعون به سرا في المدينة ونزلت فيه آيات الضرار (180)، يدع فرصة مثل هذه تلفت من يديه هو الذي ذهب إلى هرقل يستعين به ضد «محمد» ودينه لو أنه نما إلى سمعه، ولو بالباطل، أن النبي قد تعلم في أثناء رحلاته التجارية على أحد اليهود أو النصارى؟ (181) واليهود أكانوا يتركونه لو شموا من بعيد أنه سرق شيئا من كتبهم عن أي طريق؟ لقد كانوا يلقنون كفار مكة أسئلة يتحدُّونه بها عن الروح وأهل الكهف وذي القرنين (182)، وهو دليل قاطع على أنهم لم يشكوا فيه من هذه الناحية. ذلك أن اليهود كانوا مشهورين بأنهم يضنون بما عندهم من العلم، ومن ثم نراهم يحتكمون إلى «محمد» عليه الصلاة والسلام في زنا اثنين منهم، وكانوا يريدونه ألا يرجمهما. فلو كانوا يشتبهون في أنه على علم بالتوراة لما احتكموا إليه مخافة أن يحكم بالرجم الموجود في التوراة. بل إنه حينما سألهم عما في التوراة فأنكروه وأمر بإحضارها وضع قارئهم يديه على حكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير