تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرجم، ظنا من عقله السخيف أن ذلك سيعمى «محمدًا» عليه الصلاة والسلام والمسلمين من حوله عما تحت هذه اليد النجسة (183). كما لم تكن التوراة حتى ذلك الحين على الأقل قد ترجمت إلى العربية. وفى البخاري أن اليهود في المدينة كانوا يقرأون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام (184).

والآن بعد أن طوفنا مع المستشرقين شمال وجنوب الجزيرة العربية وفى جنوب بلاد الروم ووجدنا أنه ما من دليل واحد على أن النبي قد تعلم من يهودي أو نصراني شيئا انتفع به في تأليف دينه وتلفيق الوحي الذي كان يزعم، بناء على اتهامات هؤلاء المستشرقين، أنه يتنزل عليه من السماء، نعود إلى مكة لنناقش اتهامهم له عليه أفضل الصلوات وأعطر التسليمات بأنه قد تعلم من ورقة بن نوفل (185). ويكتفي «إرفنج» هنا بترديد القول بأنه عليه السلام أخذ أشياء كثيرة مما ترجمه «ورقة» من العهدين، القديم و الجديد ومن مرويات المشنا والتلمود وضمنها قرآنه ومع خطورة هذا الاتهام فأنه لا يسوق عليه دليلًا واحدًا، بل كل ما عنده هو أن المفترض حدوث ذلك (186).

ومثله «كلت»، الذي يقول إن من الممكن أن يكون «ورقة» قد قص على «محمد» بعض الروايات النصرانية (187)، وإن ما ورد في إحدى السور (يقصد سورة مريم) عن السنوات الأولى من حياة المسيح عليه السلام ربما أخذ منه (188). فها أنت ذا ترى أن الآمر لا يعدو «من الممكن» و «ربما» (189).

هذا كل ما قاله المستشرقون عن «ورقة بن نوفل» وتأثيره المزعوم في النبي والوحي والحقيقة أن «ورقة» لم يظهر في كتب السيرة والتاريخ إلا بعد أن نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم، أما قبل ذلك فلا (190). ومن المستحيل أن يكون المؤرخون والمحدثون وكتاب السيرة المسلمون قد حذفوا من حياة ورقة وعلاقته بالنبي ما يمكن أن يثير الشك في مصادر النص القرآني، إذ لم يكن ديدنهم التحرج من رواية أي شئ يتعلق بسيرة المصطفى عليه السلام قط. وإليك تعليق «ورقة» عندما أتته «خديجة» ليبدى رأيه فيما شاهده النبي وسمعه عند غار حراء. قال: «قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا «خديجة» لقد جاءه الناموس الأكبر الذي يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت» (191)، وهو ما يدل على أن «ورقة» قد صدق بنبوة «محمد» ودخل في الإسلام. ومما يدل أيضًا على أن ذلك لم يكن مجاملة فارغة أو حماسة طارئة منه، رضي الله عنه، أنه كان يمر بعد ذلك ب «بلال» وهو يقاسى وطأة التعذيب الفاجر ويصيح: «أحدٌ أحد» فيؤمن على صياح «بلال» قائلا «أحدٌ أحدٌ والله يا «بلال»!»، ثم يقبل على «أمية بن خلف» ومن يصنع ذلك به من بنى جمح فيقول «أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانًا» أي لأتبركن بقبره (192). أما عن دين ورقة وثقافته فيقول «ابن إسحاق»: «وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل» (193). لكن أية كتب هذه؟ وبأية لغة كان يقرؤها؟ ذلك ما لم يوضحه «ابن إسحاق». أما «البخاري» فإنه مرة يورد رواية مفادها أن ورقة كان يكتب الكتاب العربي وكان يكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب (194)، ومرة يورد رواية ثانية تقول إنه يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب (195). فأين الحقيقة بين الروايتين؟ علم ذلك عند الله، وإن كان «مالك بن نبي» يرى أنه لو كانت الفكرة اليهودية والنصرانية قد تغلغت حقًّا في الثقافة والبيئة الجاهلية فإن من غير المفهوم ألا توجد ترجمة عربية للكتاب المقدس. كما يؤكد أنه حتى القرن الرابع الهجري لم تكن قد وضعت للإنجيل ترجمة عربية (196). أياما يكن الأمر فإن الثابت تاريخيًّا هو أن ورقة قد صدق بنبوة «محمد» صلى الله عليه وسلم. فإذا لاحظنا أنه كان في ذلك الوقت شيخا طاعنا في السن أدركنا قيمة شهادته، إذ كان من الصعب على شيخٍ مكيٍّ في ذلك الحين أن يتقبل فكرة أو عقيدة جديدة كذلك ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن «محمدًا» كان أصغر كثيرا من ورقة ولا يملك في يده في ذلك الوقت أي سلطان ومعنى هذا أن إيمان ورقة به كان إيمانًا صادقًا خاليًا من الغرض، وإذن فمن المضحك أن نظن بعد ذلك كله أن «محمدًا» كان يتعلم منه، وأنه هو قد سكت عن هذا، بله قد آمن به واتبعه ووقف من معذبي أتباعه مواقف الرافض لما يفعلون. وكعادتنا سوف ننسى ما مر ونتجاهل تفاهة وتهافت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير