تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعقله وأسلوبه هو، ومن ثم فإن الأخطاء التي توجد في الكتاب المقدس ترجع إلى هذا الوسيط لا إلى السماء، وهو ما يدل على أنه حتى لاهوتيوهم يتقهقرون من خط دفاع إلى آخر.

هذا، ويمكن للقارئ أن يرجع إلى الكتاب المقدس ويقرأه بعين مفتوحة، ولسوف يجد ما يصدم عقله في كل مكان منه، فمن تصوير لله تصويرًا وثنيًّا كأنه أحد آلهة الإغريق إلى حكايات عن فجور أنبيائهم يشيب لهولها الولدان إلى تناقضات تاريخية وداخلية لا يمكن التوافق بينها بحال (205). وقبل أن أنتقل إلى النقطة الأخيرة في ملاحظات المستشرقين عن علاقة القرآن بكتب اليهود والنصارى أطرح هذا السؤال: لقد كان بين أتباع «محمد» أعداد كبيرة من أهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام ونصروه وآزروه، وحاربوا أهل أديانهم السابقة، وكانوا على دراية واسعة بكتبهم الدينية، فلماذا لم يحاول «محمد» أن يستطلع ما عندهم قبل اختراع أي وحي يتعلق بتاريخ بني إسرائيل والنصارى حتى لا ينكشف خطؤه فيريح بذلك نفسه من التناقض بين القرآن وهذه الكتب؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي أنه كان يعلم يقينا أن قرآنه موحى به من عند الله وأن التوراة والإنجيل قد أصابهما التحريف.

وبذلك نبلغ النقطة الأخيرة وهى استغراب «جب» أنه في الوقت الذي يرفض فيه القرآن بنوة عيسى لله رفضًا حاسمًا وينفى بنفس القوة أن يكون قد صلب إذا به يتحدث عن النصارى أنفسهم أكثر من مرة بعبارة ودية وهو يعزو هذا إلى أن معرفة الرسول عليه الصلاة والسلام بالنصرانية لم تكن معرفة مباشرة (206). وعلى رغم أن جب لم يحدد المواضع التي يقول إن القرآن يتحدث فيها عن النصارى بعبارات ودية فإننا نستطيع أن نشير إلى الآية 69 من سورة المائدة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} «وتشبهها إلى حد كبير الآية 62 من سورة البقرة»، وكذلك الآية 82 من سورة «المائدة» أيضا: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}.

والحقيقة أنه لا تعارض هناك إطلاقا، فالآية الأولى تشترط في نجاة النصارى وغيرهم أن يؤمنوا بالله واليوم الآخر ويعملوا صالحًا، وهو ما يستلزم أن يؤمنوا بكل الرسل من آدم إلى محمد (207). وتوضح ذلك الآيتان / 150 – 151 من سورة النساء، إذ تقولان: {إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} ومثلها الآية 92 من سورة «الأنعام» التي تشير إلى القرآن قائلة: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه، ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به، وهم على صلاتهم يحافظون} وتأتى الآية 29 من سورة «التوبة» لتوضح الأمر توضيحا ساطعًا لا لبس فيه، إذ تقول {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وغير ذلك كثير، مما يقطع بأن رأى القرآن كان دائما أن اليهود والنصارى إذا بقوا على ما هم عليه رغم اتضاح الحقيقة لهم فلن يمكنهم أن يفوزوا بالنجاة يوم الدين، هذا عن الآية الأولى، أما الآية الثانية فإنها وما بعدها من آيات تشير إلى واقعة بعينها، إذ ورد على النبي عليه السلام وهو في المدينة فريق من النصارى وفيهم قساوسة ورهبان مخلصون وكانت هذه الطائفة من النصارى تتحلى برقة القلب والتواضع للحق، فأسرعت إلى إعلان الإيمان بالإسلام والقرآن عندما تليت عليهم آياته وفاضت أعينهم من الدمع (208). هذا، وسوف نبين في موضع تالٍ من هذا الكتاب أن الإسلام قد جاء لتصحيح ما أصاب اليهودية والنصرانية من تحريف وتشويه ولتخفيف القيود التي جعلها الله على بني إسرائيل وان الأمر لم يكن أخذا ولا اقتباسا كما يكذب الزاعمون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير