تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيمن هاجر إلى يثرب. ومما له دلالة هنا أنه كان أيضا زوج إحدى بنات «أبى سفيان» زعيم الوثنية في ذلك الوقت. فلو كان أخوه قد تنصر عن بصيرة لتابعه، فهو لم يكن أخاه فقط بل عديله أيضا، أو على الأقل كان ينبغي، وهو الضرير الضعيف القادر بغيره، أن ينحاز إلى معسكر الأقوياء (أي الكفار) حتى تقوى شوكة المسلمين فيدخل معهم في دينهم (214). ومن الحنفاء أيضا «عثمان بن الحويرث»، وقد قدم على قيصر فتنصرَّ وحسنت منزلته لديه (لاحظ أن من تنصر منهم قد تنصر في الغربة). ويذكرون أن قيصر توَّجه وولاه أمر مكة ولكن أهل مكة رفضوه. وقد مات بالشام مسموما على يد ««عمرو بن جفنة»، الملك الغساني (215)، وهو ما يعطيك فكرة عن نواياه ودوافعه ولا بأس أن نعد «أمية بن أبي الصلت» واحدا من هؤلاء الحنفاء. وهو شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف كان مطلعا علي الكتب القديمة، ولبس المسوح وامتنع عن الخمر والأوثان. وقد رحل إلى دمشق ثم إلى البحرين حيث ظل هناك حتى ظهرت دعوة الإسلام وبلغه خبر «محمد» عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام، فقدم إلى مكة واستمع منه صلى الله عليه سلم إلى آيات من القرآن. ولما سأله أهل مكة رأيه فيه قال: «إنه على حق». ولكنه مع ذلك أجّل الدخول في الإسلام حتى ينظر، فيما قال، في أمره. وبعد ذلك سافر إلى الشام ثانية، وهاجر رسول الله إلى يثرب. ثم عاد أمية من الشام وفي نيته إعلان إسلامه، لكن مقتل ابني خال له كافرين في بدر منعه من ذلك وقد أقام أمية في الطائف إلى أن مات (216). ومن الواضح أن هذا التردد الطويل إلى أن هلك يؤكد ما قاله المؤرخون المسلمون عنه من أن الحسد والطمع في النبوة لنفسه كانا هما السبب الحقيقي أو على الأقل الرئيسي في توقفه عن إعلان إيمانه بنبوة «محمد» عليه الصلاة والسلام عليه أفضل الصلاة والسلام (217). وطبعا لو أن «أمية» بلغه من أي طريق شئ مريب عن «محمد» عليه الصلاة والسلام لما سكت لسانه، وهو الشاعر. كذلك لو أنه أحس أن «محمدًا» نبيٌّ مزيف لادعى هو أيضا النبوة، وقد كان له معين في شهرته في الجاهلية بالتعبد ومعرفة الكتب القديمة. أما «زيد بن عمرو بن نفيل»، فقد اتبع دين «إبراهيم» واعتزل الأوثان والميتة والدم والقرابين، ولم يدخل في يهودية ولا نصرانية. ولكن مغزى قصته لا يتم إلا إذا علمنا أن ابنه «سعيد بن زيد»، وابن عمه وابنة عمه، وهما «عمر بن الخطاب» وأخته (التي هي زوجة «سعيد بن زيد» نفسه)، قد دخلوا كلهم في الإسلام. ونحن جميعا نعرف الإيذاء الذي أوقعه «عمر» بـ «سعيد» هذا وزوجته والذي انتهى خير نهاية، إذ ترتب عليه إسلامه رضي الله عنه. فلو أن «سعيدًا» هذا أحس أن «محمدًا» قد تعلم من أبيه، أو لو أن أباه صارحه بشيء من ذلك لما أسلم البتة، وبالذات في ذلك الوقت المبكر جدا من تاريخ الدعوة الإسلامية، أو لو أن «عمر» صاحب العين اليقظة والعقل اللماح واللسان الجريء حاكت في قلبه أية ذرة من ريبة حول «محمد» وأخذه المزعوم عن الحنفاء أو عن ابن عمه بخاصة، لما دخل في الإسلام أبدا ليتحدى الكفار جميعا جهرة وليكون إسلامه فتحًا (218). أما في المدينة فهل يمكننا أن نعد «أبا عامر الراهب» (أو الفاسق كما سماه الرسول عليه الصلاة والسلام) من بين هؤلاء الحنفاء؟ إن قصته لتشبه قصة «ابن الحويرث المكي»، إذ إنه لما هاجر النبي إلي المدينة فارقها هو غلًّا وحقدًا وأخذ يؤلب الكفار عليه، ثم ذهب إلي قيصر يستعين به وقد اشترك ضد المسلمين في غزوة أحد، وأوعز إلى منافقي المدينة أن يبنوا مسجدا في محلتهم بعيدا عن عيون الرسول والمخلصين من أتباعه ليشق به وحدة الجماعة ويجتمع بهم فيه. ولكن كل ذلك لم يُغْنِه فتيلا، وحقت عليه لعنة نفسه، إذ قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام أول مقدمه إلى المدينة: «الكاذب أماته الله طريدًا غريبًا وحيدًا»، يعرَّض برسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات هو بالشام غريبًا طريدًا وحيدًا بعد فشله وإطلاقه آخر سهم في جعبته، إذ خرج إلى الطائف يحرض أهلها ويقوي قلوبهم على حرب رسول الله، ولكنهم أسلموا فلحق بالشام وهلك هناك. والذي يهمني قوله هنا هو أن أحدا من أهل المدينة لم يتبعه، وحين ناداهم وهو يحارب في صفوف المشركين يوم أحد لينبههم إلى وجوده فينحازوا معه قائلًا: «أنا أبو عامر» ردوا عليه بقولهم: «فلا أنعم الله بك عينا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير