تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مع الوحي فما وجه الغرابة في هذا؟ إن «رودنسون» نفسه قد حضر موافقات الوحي لـ «عمر» في ثلاث، فهل هذا كثير على رجل مسلم اشتهر بتقوى الله وصفاء البصيرة وعمق الفهم لدينه وجرأته في التعبير عما يعتقد أنه الحق؟ أم كان يجب على الله سبحانه أن يغيظ «عمر» في كل مرة من هذه المرات الثلاث ويغير وحيه حتى لا يتوافق مع رأي «عمر»؟ أم ماذا؟ أما غمز «رودنسون» ولمزه لـ «عمر» حين أشار إلى «براءته» فهو دليل على عجزه عن فهم الرجال وسبر أغوار شخصياتهم. فلم يكن «عمر» ذلك الرجل البريء (أي الساذج، كما يحاول أن يوحي لنا «رودنسون»)، بل كان نافذ البصيرة، نقادة، حاد الملاحظة، كبير العقل. لقد حكم الإمبراطورية الإسلامية عشر سنين وهي في أوج صراعها مع دهاقنة العالم من الفرس والروم فحطمهم تحطيمًا. وأظن أن هذا هو السبب الذي أملى على هذا الشيوعي الأوروبي أن يلمز أمير المؤمنين هذه اللمزة السمجة. على أنه إذا كان الوحي قد وافق «عمر» ثلاث مرات، فقد خالف الوحي «عمر» والدنيا كلها حين كان «عمر» كافرًا، وكان على «عمر» أن يغير عقائده وأسلوب حياته ويتوافق مع ذلك الوحي. أما بعد الإسلام فما أكثر المرات التي خالفه فيها النبي عليه الصلاة والسلام: فقد كان «عمر» مثلا يحلف بأبيه فنهاه النبي فانتهى (227). كما أنه عليه السلام قد نصر مرة رأي امرأة على رأي «عمر» (228). وحتى في حجاب زوجاته عليه السلام فإن الوحي لم يوافقه على طول الخط. لقد نزل القرآن بالحجاب علي زوجات رسول الله صيانة لهن من نظرات الزائرين لبيت النبوة وتطلعات السفهاء، وكان هذا أيضا رأي «عمر» رضي الله عنه وأرضاه. لكن «عمر» قابل ذات ليلة أم المؤمنين «سودة بنت زمعة»، رضي الله عنها، فتعرف عليها وقال لها: «إنك والله يا «سودة» ما تَخْفَيْنَ علينا»، فرجعت إلى النبي فذكرت ذلك وهو في حجرة «عائشة» يتعشى، وكان في يده عرق فأُنْزِلَ عليه، ثم رفع عنه وهو يقول: «قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن» (229). كما طلب من النبي في أكثر من مناسبة أن يقتل هذا الرجل أو ذاك لأنه، في نظره، منافق قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فكان عليه الصلاة والسلام يرفض اقتراحه ويرشده إلى ما هو أقوم (230). بل لقد بلع من هيبة «عمر» له أنه، لما نسى عليه السلام فصلى إحدى الصلوات الرباعية ركعتين فقط، لم يستطع أن يفاتحه في الأمر لا هو ولا «أبو بكر» (231). كما أنه و «أبا بكر» قد اختلفا عند النبي على أمر وارتفعت أصواتهما، فنزل قوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا، لا ترْفعوا أصواتكُم فوقَ صوتِ النبي، ولا تجْهَروا له بالقوْل كجَهْرِ بعْضِكم لبَعْضِ أن تحْبَط أعْمالكم وأنتم لا تشْعُرون}، فكان «عمر» بعد ذلك إذا حدث النبي بحديث خفض صوته كأنه يسر إليه بشيء (232). فهل يَسُوغُ القول تصريحًا أو تلميحًا بأن «عمر» كان مصدرًا لبعض الوحي؟ «عمر» الذي كان يقبل الحجر الأسود وهو يقول: «إنما أنت حجر، ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك» (233)؟ ولكن لم؟ أكان عليه الصلاة السلام يخافه؟ أبدًا، فهو الذي كان يهاب النبيَ، وهو الذي تابعه وتحدى الدنيا من أجله وأجل دينه. أكانت موافقات «عمر» للوحي في أمور عويصة حيرت بال الرسول عليه الصلاة والسلام وأسهرته الليل حائرا يتقلب على فراشه؟ ولا هذه أيضا، فها هي ذي الأمور التي اتفق الوحي فيها معه رضي الله عنه: «قال «عمر»: وافقت الله في ثلاث. . . قلت: «يا رسول الله، لو اتخذت مقام «إبراهيم» مصلى. وقلت: «يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب. . . وبلغني معاتبة النبي بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن. . . فأنزل الله: {عسى ربُهُ إن طلقكن أن يُبْدِلهُ أزاجًا خَيْرًا منكُنَ} (234). فالآن نستطيع أن ندرك أسلوب المستشرقين في الطنطنة على لا شيء!

وفي نهاية هذا الفصل نتساءل: هب أن الرسول، وذلك مستحيل بعد كل ما قلناه، كان كاذبًا، فما الذي كان يريده من وراء هذا الكذب؟ المال؟ الشرف؟ الرياسة والسلطان؟ إن تفاصيل حياته كلها تكذب ذلك أشد تكذيب. ومع هذا فسوف نتناول هذه الدوافع بالمناقشة المفصلة الموثقة، كعادتنا دائما، في الفصل الثاني الذي سنخصصه للشبهة الثانية التي يحاول غير المسلمين تفسير ظاهرة الوحي بها، وهي أن «محمدًا» كان واهمًا مخدوعًا. كأنهم لما تيقنوا فشل الشبهة الأولى وعرفوا أن اتهامه بالكذب والخداع هو اتهام متهافت عاد فريق منهم فقال إنه لم يكن خادعا بل مخدوعًا.

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:28 ص]ـ

أرجو من المشرفين الكرام أن يصححوا العنوان الرئيسى عندهم بناء على ما هو مكتوب داخل النافذة، ثم يمسحوا هذا التعليق بعد ذلك، ولهم الشكر، مع الاعتذار على هذا الخطإ

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:57 م]ـ

المكرم د. إبراهيم عوض: السلام عليكم ورحمة الله ووفقكم الله لكل خير وبارك في جهودكم، وأثابكم بكل حرف تخطونه قناطير من الأجر ... وجعله ذخراً لكم يوم الميزان ...

أرجو أن ترشدني أين تطبع مؤلفاتكم؟ وخصوصاً الآن معرض الكتاب في مكتبة الأسد في دمشق ..

أيدكم الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير