تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خاضت كتب الإعجاز القرآني في بيان الإعجاز البلاغي خوضا فمنهم من بهرته بلاغته وصار يصفها وصف معجب متطلع إلى العلياء. 1ومنهم من فصل بلاغة القرآن على ثلاث مستويات: فمنها البليغ الرصيف الجزل, ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز الطلق السهل، وهذه أقسام الكلام المحمود2

كل ما جاءت به المخلوقات لا علاقة له بمضاهات القرآن

وثبت أن أناسا حاولوا وجاءوا بنصوص زعموا أنهم يعارضون بها القرآن مثل ما ساقه الرافعي في إعجاز القرآن من أقوال مسيلمة وسجاح بنت الحارث ومحاولة النضر بن الحارث وابن المقفع وعبلهة بن كعب وطليحة بن خويلد الأسدي ... ومن ذهب من المعاصرين ينسج على منوالهم إلخ ...

ولم يتوقف العلماء عند هذه المحاولات في حد ذاتها، بل سارعوا بإهانتها ونقدها نقدا لا يليق بالنقد الأدبي مثل ما قاله الرافعي عند نقده أقوال مسيلمة الكذاب: " وكل كلامه لا ينهض ولا يتماسك, بل هو مضطرب النسيج مبتذل المعنى مستهلك من جهتيه، وما كان الرجل من السخف بحيث ترى, ولا من الجهل بمعاني الكلام وسوء البصر بمواضعه ولكن ... 3

وكان من اللازم عدم العناية بهذه الأمثلة تماما لكونها ليست محاولة لمعارضة القرآن, ذلك بأن العهد من الله لا ينخرم وعهده هنا و" لن تفعلوا". في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24].

فالجزم من الله لا ينخرم، فإن حاول هؤلاء وهم كفار فقد حاول أيضا مؤمنون في مشابهة بلاغة القرآن في قوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ? [البقرة: 179]. وجاءوا بقولهم " القتل أنفى للقتل". كما قال السيوطي: " وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعياً إلى أن لا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، وكان ارتفاع القتل حياة لهم. وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم: القتل أنفى للقتل بعشرين وجهاً أو أكثر. وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال: لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق، وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك. الأول: أن ما يناظره من كلامهم وهو قولهم القصاص حياة أقل حروفاً، فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر. الثاني: أن نفي القتل لا يستلزم الحياة، والآية ناصة على ثبوت التي هي الغرض المطلوب منه. الثالث: أن تنكير حياة يفيد تعظيماً، فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} ولا كذلك المثل، فإن اللام فيها للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء. الرابع: أن الآية فيها مطردة، بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل، بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلماً، وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبداً. الخامس: أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل، والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلاً بالفصاحة. السادس: أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها، وحذف قصاصاً مع القتل الأول وظلماً مع القتل الثاني، والتقدير: القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً من تركه. السابع: أن في الآية طباقاً؛ لأن القصاص يشعر بضد الحياة بخلاف المثل. الثامن: أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلاً ومكاناً لضده الذي هو الحياة، واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة، ذكره في الكشاف، وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه. التاسع: أن في المثل توالي أسباب كثيرة خفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكره، فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت بذلك فصاحته، بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات، نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة. العاشر: أن المثل كالتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه. الحادي عشر:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير